من الأخلاق الفاضلة كفُّ الشرّ عن الخلق وإقبال الإنسان على شأنه، وعدم التطفُّل على شؤون الآخرين، فلا غرابة أن تكونَ هذه الخصال أصعبَ التصرفات على ذوي النفوس المريضة؛ لأنهم محرومون من الشيم النبيلة والقيم السامية، ولا يهدأ لأحدهم بالٌ ما لم يتسلَط على عرض ذي شرفٍ ومكانةٍ؛ ليحاول قطع الطريق عليه حتى لا يترقَّى في سلاليم الفضل، ولم يزل كرام البشر يُواجهون بهذه المحاولات بأنواع مختلفة وأساليبَ متباينة، وقد نجمت هذه الظاهرة في الجيل الأول من بني آدم، حيث امتعض ابنُ آدم الحسودُ من نجاح أخيه وفشله هو حين قرّبا قرباناً، فحاول مكافحة نجاح أخيه بتهديده ثم قتله، فآذاه نفسيّاً وبدنيّاً، ثم استمرَّت وتنوَّعت وتيرة تطاول الحاقدين على ذوي النعم والموهوبين، والغالب أن لا يجدوا لذلك حيلةً إلا إطلاق الألسنة الجريئة الحادة لمحاولة تشويه الصور البراقة، وهكذا دأب الحاسدين لدولتنا المباركة المملكة العربية السعودية، فهناك نفوسٌ حاقدةٌ تحاول التقليل مما فتح الله به على المملكة من رفعةِ الشأن، وصلابة البنية، والريادة في المجالات الحيوية، ولا يملكون -بحمد الله تعالى- وسيلة إلا التطاول عليها، لكن للمملكة جبلٌ شامخٌ لا تؤثر فيه سهامهم، ولي مع انكسار سهام الحاقدين على صخرة المملكة وقفات: الأولى: أن قوة المملكة موهبة من الله تعالى، مركبة من منَحٍ أنعم بها عليها، والمجتمع السعودي مدركٌ لهذه النعم وعظمتها، مصممٌ على الاستمرار في الطريق الذي أوصله الله من خلاله إليها، مستعدٌّ لبذل ما يقتضيه واجب المحافظة عليها من شكر واهبها سبحانه وتعالى، والتمسك بالأسباب التي يسرها بواسطتها، وفي مقدمة هذه الأسباب تمسك هذا المجتمع بدينه الذي هو العزة والرفعة والأمن والسلام، واعتزازه بوطنه الذي هو قبلة المسلمين وقلب الأمة النابض، ورمز الحمية والإباء والشموخ على ممرِّ التاريخ، وثقة الشعب في قيادته التي توارثت القيام بمصلحة البلاد منذ قرون، وأثبتت التجارب قديماً وحديثاً أن لها كفاءة فذّة، فاجتمعت لهذا المجتمع نعمة القيادة القوية الأمينة، ونعمة الالتفاف حولها، فكان المجتمع مغتبطاً بما هيّأ الله له تعالى من الوحدة المستندة إلى قيادةٍ قويةٍ أمينةٍ راشدةٍ؛ تحمي للمجتمع ضرورياته من دينٍ ونفسٍ ومالٍ وعقلٍ وعرضٍ، وتحول دون أن يتلاعب به أئمة الضلال ودعاة الفرقة، وتجنِّبُه المآزق والمشكلات التي تنشأ عن الفوضى، وتُوفر له كلَّ ما يضمن له في الحال والمستقبل العيشَ الكريم اللائق به، وتسابق الزمن لتطوير مقدراته وتمهيد الطرق له إلى مستقبلٍ مشرقٍ، كما تتضمنه رؤية سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -أدام الله عزه-، وقد رأينا الكثير الطيب من ثمراته، والقادم أجمل وأطيب، وما كيد الحاقد إلا إلى اضمحلال إن شاء الله تعالى. الثانية: المملكة لم تصل إلى ما وصلت إليه من المكانة المرموقة بوساطة أحد، ولا بتزكيته، فهي ليست رسمةً على لوحةٍ حتى تتشوه (بخربطة) عابث، وصورتها اللامعة وسمعتها الحسنة لم يتبرّع بها عليها متبرع، بل اكتسبتها بفضل الله تعالى ثم بجهود قادتها وحكمتهم وإنسانيتهم، وكرم شعبها ونبله، وما تتخذه من المواقف الفاضلة في مختلف القضايا، وهي تعني الكثيرَ للعالم شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، والقدوم للعمل في المملكة أمنية الغالبية من أفراد أكثر الدول، وكرامة العامل فيها محفوظةٌ من حين وطئت رجلاه ثراها الطاهر إلى أن يغادرها، وأنظمتها صريحةٌ في حفظ حقوقه، وشعبها كريمٌ نبيلٌ معطاءٌ صاحب نخوةٍ وشهامةٍ، ولو سئل العاملون فيها لشهد منصفوهم بهذا، ولو افترض سكوتهم عنه لتحدث عنه لسان الحال؛ فإن أحوالهم تزدان وتزدهر في بلدانهم من مردود عملهم في المملكة، ولسانُ الحال لا يصمت عن الحق، وقد قال الشاعر في مثل هذا: أقولُ لرَكْبٍ صَادِرِينَ لَقِيتُهم قَفَا ذاتِ أَوْشالٍ ومَوْلاَكَ قارِبُ قِفُوا خبِّروني عن سليمانَ إنّني لمعروفِهِ من أهلِ وَدَّانَ طالبُ فعَاجُوا فأثْنَوْا بالذي أنت أهلُهُ ولو سكتوا أَثْنتْ عليكَ الحقائبُ الثالثة: الحاقدون على بلادنا ينوِّعون أساليب الكيد، فقد سبق أن جربوا معنا أسلوب التفريق وتحريض الشعب على الوطن، وأطمعهم في هذا ما جربوه من إيقاع بعض المجتمعات في فخِّ الفوضى؛ بدسِّ سموم الشرّ والتفرقة في عسل الكلمات، وقد هبَّ شعبنا هبةً شريفةً لتخييب ظنونهم في هذا، وبرهن لهم أنهم لن يُضعضعوا صفه، ولن يُبعدوه عن قيادته، ولن يُعرقلوه عن الطموح إلى معانقة سحاب العلاء، والآن قلبوا الموجة إلى محاولة النيل من نصاعة صورة الدولة والمجتمع؛ لإدراكهم أن طيب سمعة المملكة حكومةً وشعباً وبياض أياديها من جملة مقومات علاقاتها وصداقاتها، وهاهم يطمعون في التأثير على هذا بواسطة تجييش مرتزقة الفن، وضعاف النفوس، والهاربين من العدالة العاقين لوطنهم، وحذق الشعب السعودي وغيرته على وطنه كفيلان بإفشال هذه الجولة والدعس على المتطاولين، ونحن بانتظار الجولة القادمة: إن عَادَتِ العقربُ عُدْنَا لَهَا وكَانَتِ النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَةْ