تعود بنا الأسطورة الإغريقية إلى قرون ماضية حيث كان هناك شخص يدعى نركسوس، كان شديد الإعجاب بنفسه وذُهِلَ في انعكاس صورته على البحيرة، وظل يحدق بها حتى مات، ومن ثم اُعْتُبِرَ هذا النمط من الإعجاب الذاتي بالشخصية النرجسية، وكثيراً ما يتردد على مسامعنا كلمة (نرجسي) وغالباً ما ترادفها في مخيلتنا وصف حب الذات العظيم، لعلنا نفتش في أدراج هذه المفردة لتظهر لنا جلية بصورة افتتان المرء بذاته وإعجابه بها دون سواها، فترى المرء يعيش داخل فقاعة هائلة من التضخيم الذاتي يحياها داخل محيط كبير من الإنجازات الافتراضية وأوهام النجاح ويرى أن تقدم له فروض الولاء مصبوغة بالطاعة المبجلة، وترتكز محاور هذه الشخصية على ثلاث زوايا وهي: التعالي، والرغبة الملحة في الثناء، وقلة التعاطف مع الآخرين. هو نوع من اضطرابات الشخصية التي تؤثر على حالة الفرد العقلية مما ينعكس سلباً على التفاعل الأسري والمهني والاجتماعي الذي سيؤدي به حتماً إلى نوع من العزلة التواصلية نتيجة جفاء الآخرين معه وحدوث الفجوات، لذا يلزم الحرص منذ الطفولة على التربية المتزنة بين الاستحقاق الواقع والتوجيه المطلوب وتعظيم خلق التواضع ولطف المعشر، فليست القوة في السلطة الوهمية بل في سحر الكاريزما الجاذبة لعديد من الأرواح، كل ذاك وجله كي لا يواجه الطفل عقبات مريعة في قادم حياته، فالنرجسيون لا يحبذون الانتقادات بل يمقتونها ويرون أنها مخالفة لشريعة كبريائهم. ولعل أبرز ما تتسم به الشخصية النرجسية هي الغطرسة واستحقاق المعاملة الفريدة والشعور الدائم بالعظمة والإطراء الدائم للذات واللغة المتعجرفة في الحديث متصلة بلغة الجسد كما يلاحظ وجود صعوبة في إظهار مشاعره، وهناك خلل واضح في العلاقات والصداقات. وعلمياً لا نستطيع أن نطلق وصف (نرجسي) دون خضوع الفرد لمقاييس نفسية لدى الأخصائي النفسي التي تحدد درجة الفرد، عدا وجود صفة أو اثنتين فهي لا تمثل الشخصية ككل، فالنرجسية متواجدة لدى الأغلب بنسب متفاوتة، ويمكن أن نهدم شبكة العنكبوت النرجسية بإحلال خيوطها والعودة إلى المسببات لنضوج هذه الشخصية فتتضح في العوامل الوراثية والعوامل التربوية: (قسوة التعامل / الحرمان العاطفي / التدليل الزائد)، وتأثير البيئة المحيطة. والنرجسي شخص يعيش ويتعايش، معنا لذا لا بد من تقبل شخصيته كما هي لأن محاولة التحوير من سلوكياته دون الاستعانة بمختصين ما هو إلا استهلاك لكثير من الطاقة النفسية دون جدوى، بل ينصح بعدم التفاعل الصريح مع تصرفاته لكي لا يتعزز الأثر السلبي إنما يتم اتخاذ القرار تجاه الموقف الراهن وليس لشخصه، يفضل تجنب الجدال معه والمحافظة على رونق الهدوء فالاختلاف في الموقف فقط ولا مانع من وضع الخطوط في العلاقة لحفظ قيمة النفس وعدم السماح بالتسلل المنبوذ من قبله، أضف إلى ذلك التوقف التام عن المديح لأن ذلك كفيل بالغرق الذاتي له والمواجهة المباشرة له وإشراكه في تنفيذ القرارت يلزمهم الكثير من الوقت لتغيير الشخصية، ولكن تحت عناية الاختصاصي النفسي وإشراك الدائرة المقربة له.