رغم وصولهم إلى قمم النجاح؛ إلا أن قلة من القادة الناجحين يستطيعون تشكيل منهج قيادة يمكن أن يحتذى، ومنهم الملياردير العصامي "جيف بيزوس"، الذي حوّل "أمازون" من متجر كتب صغير إلى عملاق عابر للقارات، يبيع كل شيء! هناك العديد من الدراسات والمقالات التي فنّدت أسلوب "بيزوس" القيادي، ورسمت منهجية عمله وألية اتخاذ قراراته الاستراتيجية والتشغيلية، لكن جلسة حوار جمعته بعدد من الرؤساء التنفيذيين لشركات كبرى، قدم خلالها جواباً مختلفاً عما نسمعه دوماً من تنظيرات الخبراء ومبالغات الرؤساء التنفيذين، مما لفت النظر إليه، حينما أجاب عن سؤال المحاورة "سوزي ويلش" عن كيفية اختيار المرشحين للترقية نحو المناصب القيادية في الشركة ليجيب بسرعة واقتضاب: "سأختار الأشخاص الذين هم على صواب معظم الوقت!" لترد عليه محاورة الجلسة: "يبدو أنك تعني معدلات الذكاء والنباهة؟"، فنفى "بيزوس" ذلك، وأضاف بوضوح "لا يهمني كم هم أذكياء، بل أريد أن أرى تاريخاً مهنياً مليئاً بقرارات صحيحة معظم الوقت في الظروف الصعبة، ذلك ما يهمني فعلا!". نعم بالتأكيد هناك قرارات ذكية، ولكنها في حقيقة الأمر غير صحيحة، وغير قابلة للتنفيذ لأسباب متعددة، ومنها قرارات التوسع أو إلغاء في المنتجات أو التسميات وغيرها، وهناك تكمن أهمية الوصول إلى القرار الصحيح أكثر من القرار الذكي، سواء على مستوى الأعمال وكذلك الحياة اليومية. وهو ما يفسر فشل كثير من الأذكياء - وحتى العباقرة - حينما يتولون زمام التفاصيل، إذ تكون قراراتهم ذكية بالإطار عام ولكنها غير صحيحة في الواقع، مما يقود إلى كوارث قد لا تحمد عقباها. ناهيك عن فشلهم في فهم وإدارة موظفيهم، وإفساح المجال لهم، والأسوأ محاولة التذاكي عليهم وإثبات أنهم لا يستطيعون التحرك دون نفحة الذكاء التي تهبط عليهم! وكم من منظمة ناجحة تحطمت نتيجة قرار وصف أنه ذكي - في لحظاته الأولى -؛ لكنه لاحقاً دمر نجاحات أكبر. لذا ليس من المهم كثيراً معدل الذكاء أو حتى اتساع نطاق الثقافة المعلوماتية، مقارنة بمهارة تحليل الوضع واتخاذ القرار الصحيح، والأهم القدرة على تنفيذه، في الوقت المناسب وضمن الموارد المتاحة، وهو ما يجعل هؤلاء القادة أنجح في تحقيق المستهدفات والعبور بالشركات الكبرى نحو النمو والربحية، على عكس المغامرات التي قد تبدو لأول وهلة خطوة ذكية، ولكنها في الواقع غير صحيحة، سواء في توقيتها أو ظروفها أو غير ذلك. اختيار القادة الأكفاء يبدأ من لحظة توازنهم في اتخاذ قرارتهم، وبالذات الاستراتيجية، وتلكم التي تُتخذ في أحلك الظروف وأصعب الأزمات، وهنا مربط الفرس، فمن استطاع العبور والتقدم إلى الأمام بسجل نجاحات متوالية، حتماً يستطيع فعل ذلك على مستوى أكبر وأعقد.