قبل رؤية 2030 كانت تصل مدة انتظار الأسر السعودية للدعم السكني إلى 15 عاما وأكثر ومع إطلاق برنامج الإسكان أحد برامج تحقيق الرؤية بات الحصول على الدعم فوريا، بعد تسهيل حصول الأسر السعودية على الدعم المالي لامتلاك السكن، وتبسيط الإجراءات والأنظمة وتحمل الدولة تكاليف التمويل، الأمر الذي ساهم في رفع نسبة تملك المنازل من 47 % قبل الرؤية إلى أكثر من 63 % حتى نهاية عام 2023 وهو قريب من الرقم المستهدف في 2030 عند 70 %، وخلال هذه السنوات ضخت البنوك أكثر من 642 مليار ريال من القروض السكنية للأفراد، ونحو 26 مليار ريال تم ضخها عن طريق شركات التمويل، ومع كل التقدير للجهود التي بذلتها الجهات المختصة لتحقيق هدف الرؤية إلا أن عدم مراعاة أثر الضخ المالي الكبير على تضخم السوق العقارية ظهر أثره في الفترة الأخيرة بعدم قدرة الكثير من الأسر على تملك السكن وزيادة الطلب على الوحدات الإيجارية ما تسبب في الارتفاع الحاد في أسعار الإيجارات السكنية والتي تواصل ارتفاعها في مؤشر أسعار المستهلك، حيث أظهرت أرقام شهر يوليو الماضي أن أسعار الإيجارات السكنية ارتفعت بنسبة 11.1 % على أساس سنوي وأسعار الشقق السكنية ارتفعت بنسبة 12 %، أما إذا نزلنا بالمؤشر إلى مستوى المدن نجد أن بريدة هي الأكثر تأثرا، حيث ارتفعت الإيجارات السكنية في يوليو الماضي بنسبة 60 % مقارنة مع شهر ديسمبر 2020 تلتها الرياض بنسبة 46 %، ثم جدة 23 %، وهذه المدن الثلاث يسكنها أكثر من 35 % من عدد سكان المملكة، ولنا أن نتخيل حجم هذا التأثير على الإنفاق الاستهلاكي لدى هذه الأسر وانعكاسه على النشاط الاقتصادي. لا أعتقد أن الجهات المختصة لديها حلول عاجلة لمعالجة هذه المشكلة إلا بوضع ضوابط تحدد نسب الارتفاع السنوي للإيجارات ولكنها قد لا تجدي مع عزوف المستثمرين عن تطوير العقارات المدرة للدخل بعد الأرباح العالية التي تتحقق لهم من بيع الوحدات السكنية، الحلول متوسطة وطويلة الأجل قد تكون أكثر جدوى ومنها تبني استراتيجية التوسع الرأسي في المدن بدلا من التوسع الأفقي وهذا من شأنه استيعاب تضخم أسعار الأراضي السكنية ويشجع المستثمرين على التوجه إلى العقارات المدرة للدخل في ظل وجود تشريعات تحميهم من تأخر المستأجرين في دفع قيمة الإيجار، كما أن التوسع الرأسي من خلال بناء أبراج سكنية تحتوي على عدد كبير من الوحدات تساعد الكثير من الأسر ذوي الدخل المحدود على تملك وحداتهم السكنية بأقساط منخفضة، قد تقل عن تكلفة الإيجار وتضمن عدم التأثر مستقبلا بأي ارتفاع في الإيجارات السكنية، كما أن الأسر ذات الدخل المحدود يجب أن تتخلى عن فكرة السكن في وحدات سكنية بمساحات كبيرة والتي تنهك ميزانية الأسرة وقد لا تستخدم بعض منافعها إلا مرة واحدة في السنة، فكرة الضواحي السكنية التي تحتوي على عدة خيارات ومساحات متعددة تمكن كافة الشرائح من تملك السكن وبأسعار منخفضة، وإن توافرت فيها جميع الخدمات الأساسية من مدارس وحدائق ومراكز تجارية وخدمات طبية ونقل عام، قد تكون مثالية للسكن وفك الاختناقات عن المدن وتوفير بيئة سكنية مريحة حتى لو كانت مقرات العمل بعيدة عن هذه الضواحي. أما عن تأثير القروض العقارية على البنوك التجارية فيمكن قياسه من خلال نسبة القروض العقارية، من قيمة إجمالي التمويل في البنوك والتي وصلت نسبتها إلى أكثر من 30 % من إجمالي المحفظة وقد يصل متوسط عمر هذه القروض إلى أكثر من 15 سنة وهذا بلا شك قد يؤثر على قدرة البنوك في التوسع في تمويل أنشطة اقتصادية صناعية كانت أم تجارية وخصوصا أن النمو في حجم الودائع لا يتواكب مع زيادة الطلب على القروض، النمو الاقتصادي والمشاريع المستقبلية تحتاج إلى إعادة هيكلة القروض البنكية والتقليل من نسبة القروض العقارية والاستهلاكية والتوسع في القروض التي تمول الأنشطة الاقتصادية الداعمة لنمو الناتج المحلي والممكنة للقطاع الخاص لتوليد المزيد من الوظائف وخفض نسب البطالة، وسبق أن بادرت الحكومة إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق عن طريق زيادة وتيرة تنفيذ بعض المشروعات والاستراتيجيات القطاعية، وتمديد الجدول الزمني لبعض المشاريع، وهذه العملية ستساعد على ضمان التسلسل المناسب للإنفاق الموجه إلى الحد من مخاطر فورة النشاط الاقتصادي والحفاظ على استدامة المالية العامة وبناء حيز مالي كافٍ، دون الإضرار بسلامة الاقتصاد على المدى الطويل.