منذ مئات العقود الخوالي لا يمكن تخيل اكتمال قصص العاشقين دون أن تروى فصولا من حياتهم على ضفاف نهر السين ولو كانت خيالا! تلك الضفاف - التي يحوطها تاريخ عريق امتد لقرون على غرار متحف اللوفر وكاتدرائية نوتردام دو باري وقوس النصر وبرج إيفل وغيرها - شهدت فصولا مختلفة من تحديات السيطرة على مستويات التلوث لإبقائها عند الحد الأدنى. نهر السين والألعاب الأولمبية 2024 بمشاركة 6800 رياضي من 205 دول أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية، ليسجل هذا المحفل سابقة تاريخية لكون افتتاحه كان على ضفاف "نهر السين"، هذا النهر الذي يشكل معلما سياحيا شهيرا تحول مؤخرا إلى بؤرة من البكتيريا حيث كانت مستويات «الإشريكية القولونية» (وهي بكتيريا تشير إلى وجود مادة برازية) أعلى من الحدود العليا ما شكل تهديدا حقيقيا للمشاركين بماراثون مرحلة السباحة لمسابقة "الترياثلون" كل هذه العوامل أدت إلى تأجيلات بالجملة للعديد من السباقات لحين التأكد من انخفاض مستوى التلوث في النهر التاريخي. مئوية تتجدد معها التحديات إذا ما رجعنا بالذاكرة إلى قرن من الزمن سنجد أن باريس شهدت العام 1924م استضافة دورة الألعاب الأولمبية للمرة الثانية، حيث تجدر الإشارة إلى أنها استضافت تلك النسخة بالتزامن مع حظر السباحة في نهر السين آنذاك لارتفاع مستويات التلوث. وها نحن نشهد اليوم - ومع ذكرى مرور 100 عام على تلك النسخة - تجدد ذات التحدي على مستوى السيطرة على إبقاء مستويات التلوث عند أدنى مستوياتها، فبرغم ظهور رئيسة بلدية باريس وهي تعوم وسط النهر قبيل انطلاق الدورة في نسختها الحالية، غير أن ذلك لم يشفع لإقامة جزء من سباقات السباحة في أعماقه خشية إصابة المشاركين وتأثرهم بارتفاع مستويات التلوث. قصص الصمود لهذا المزار التاريخي مستمرة وسيظل تحديا طبيعيا أمام كل الحقب الزمنية المقبلة، ولا أدل على ذلك من إنفاق السلطات الفرنسية 1.4 مليار يورو لتنظيف النهر وتحسين نظام الصرف، فضلا عن بناء مرافق جديدة لمعالجة المياه وتخزينها عبر خزان ضخم تحت الأرض بالقرب من محطة أوسترليتز. إسماعيل الأنصاري