الصحافة الاستقصائية -من وجهة نظري- أهم نوع من الصحافة يمكن ممارسته، وهي الأصعب والأفقر على مستوى ممارستها بالوطن العربي، هي فن يعتمد على موهبة الصحفي وشغفه والمعلومات والحقائق التي يبحث عنها، وفي ظل الإعلام الجديد وتطور أدواته وتشعب أساليبه، أو بمعنى أكثر دقة (الفوضى) التي يعيشها، واعتبار كل من يحمل جهازا موجود به كاميرا وميكرفون (صحفي) وطبعا الأجهزة ما بين جوال أو كمبيوتر للبث أو أي وسيلة أخرى، ومن وجهة نظري أن أخلاقيات الصحافة الاستقصائية صعبة في مجال الإعلام الجديد، لأسباب عديدة وحسب دراسات منها، أحيانا الخلط ما بين البحث عن (الحقيقة) وما بين (الانتقام) لمصالح شخصية، أو أحيانا (الابتزاز) لمصالح مادية أو ما شابهها. في الكويت هذه الأيام هناك (نقلة) في مفهوم الصحافة الاستقصائية في الإعلام الجديد، نعم نقلة وأسلوب جديد على المستوى العربي، في الكشف عن الحقائق بأسلوب صحفي استقصائي لا يعتمد على (التشهير) صحيح أنه مع المشهور الكويتي عبدالله الجاسر (عبودكا) ظهر هذا النوع الغائب عن مجالنا، نتيجة لإشكالية خاصة بهذا المشهور مع هيئة البيئة في الكويت، ولكن لأن الموضوع لا يمسه بضرر كبير وليس مرتبطا الأمر به شخصيا، كون الكثيرين من أمثاله يعانون من تخبط القوانين وإهمال بعض الجهات الحكومية، نجد أن قضية (تماسيح عبودكا) تحولت وببساطة وبأسلوب صحفي استقصائي إلى قضية رأي عام بكل ما تعنيه الكلمة! ولكي لا يعتبر البعض أنه دخل في نفق مظلم قد يتسبب له بقضايا قانونية لكشفه حقائق معينة عن هيئة البيئة بدولته التي تعاملت معه بأسلوب غير مناسب نوعا ما، ولم تقم بحل الإشكالية على مستوى الدولة ككل، لا بد أن نعرف أن الصحافة الاستقصائية ومنذ زمن طويل، تعيش مرحلة دائما تجعلها بالمناطق المحذورة أو ما يطلق عليه صحفيا (الخطوط الحمراء) ففي دراسة بعنوان (أخلاقيات الصحافة الاستقصائية) للباحث الدكتور حسن محمد منصور، أشار إلى أن «البحث والتنقيب والملاحقة» من أهم سمات الصحافة الاستقصائية، ومع ذلك تحتاج إلى قوانين لعدم تحولها إلى أداة لخرق الخصوصيات والتشهير بالآخرين، وهذا الأمر لم ألاحظه في أسلوبه، فكان هناك تسلسل قصصي في إثارة وتشويق وعدم المساس بخصوصيات الآخرين، والأهم أنه اعتمد على حقائق وأرقام حصل عليها وتعاون معه فيها متابعوه، كما يحدث بالصحافة التقليدية. على العكس تماما ما حصل لدينا في قضية (العطر) عندما حاول مؤثر أن يتناول موضوع عطر معين تحت عنوان «العطر الأصلي»، ولكنه دخل بموضوع التشهير الشخصي، والترصد بصورة ابتعدت نوعا ما وبدرجة كبيرة عن البحث عن «الحقيقة كحقيقة»، لذلك نحن أمام مستقبل جيد إذا تم تنظيمه والالتزام بقوانينه بمفهوم الصحافة الاستقصائية بالإعلام الجديد، إلا إذا تدخلت المحسوبيات والرشى والهدايا، فقد يتحول الأمر إلى عكس ذلك، كما هي نتائج الدراسة التي تناولت اتجاهات الإعلاميين المصريين نحو الشبكات الاجتماعية، ف 90% من الصحفيين الذين تناولتهم الدراسة أشار إلى أن التعامل مع الأزمات السياسية في الصحافة الاستقصائية، تأثر كثيرا بغياب المعلومات الصادقة والمحسوبيات والرشى والهدايا لتحقيق سبق صحفي على حساب دقة المعلومات! سنتابع دراسة (تماسيح عبودكا) وسنعرف نتائج حملته الصحفية الاستقصائية، فإذا نجح فسيكون هناك فجر جديد لمثل هذه الممارسة الإعلامية الاحترافية، وإذا تمت «عرقلته» فسيكون هذا النوع من الإعلام بعيدا عن طموحاتنا.