كل البجع أبيض كما هو مشهور ومعروف، ولكن الحقيقة أن هناك بجع أسود اللون، ولكنه خارج مدى الرؤية الاجتماعية المتاحة للجميع، وهذه فكرة نظرية البجعة السوداء التي تهتم بتوقع ما هو خارج مدى الرؤية ونطاق التوقع. نظرية البجعة السوداء فكر يرتبط بتوقع ما لا يتوقع من المخاطر، وهي ملكة يملكها قلة، ولكنها موجودة في ذهنية المبدع، والمبدع في المجال الروائي بالتحديد، ولذلك فإن مراكز التوقعات ذات البعد المنوط به التفكير في المخاطر العالية التصنيف تحتاج مثل هؤلاء المفكرين خارج نطاق المدى المنظور، وهم الراحلون بالتفكير عبر فضاءات الخيال، ومن يقرأ كتاب معالي الدكتور توفيق الربيعة "الوقوف على أطراف الأصابع" من متخصصي علم الاجتماع سيجد أن هذه النظرية طبقت دون الإشارة إلى اسمها من خلال توقع أقصى ما يمكن توقعه من المخاطر، لذلك فإن الخطط التي تبنتها المملكة العربية السعودية، وبدعم لم يوجد له مثيل ورؤية مستبصرة من قيادة المملكة كانت هي الحامي بعد الله سبحانه وتعالى في تجاوز الأزمة بأعلى مستوى على الإطلاق بين كافة دول العالم. ويأتي العطل التقني الأخير الذي أصاب منظومات التقنية في مختلف دول العالم ليعيد إلى الأذهان فكرة نظرية البجعة السوداء، وليعيد لنا كذلك مشكلة عام (2000م) التقنية والتي سبق وأن أشرت إليها في مقال سابق على صفحات "الرياض" تحت عنوان "هل سينتهي الورق؟!"، ذلك العطل وهذا العطل استطاعت المملكة أن تتعامل معهما من خلال توقعات مسبقة، وخطط استباقية أكد وجودها تخطي هاتين الحالتين دون أثر يذكر، وهذه الخطط مبنية كما هو ظاهر على احتمالات موسعة ومتعددة بحيث تنطبق المعالجة على طيف واسع من المشكلات المحتملة. نظرية البجعة السوداء نظرية في علم الاجتماع ربما قلة قليلة هم من سمع عنها أو علم بوجودها، وهي نظرية حيوية رغم موتها على أرض الواقع الأكاديمي وعدم تناولها حتى من متخصصي علم الاجتماع، وهي مثلها مثل أي نظرية تحتاج لآليات تفعيل ومنهجية متعاضدة متكاملة لتكون الاستفادة منها مكتملة الجوانب نظرياً وعلمياً وعملياً، ولكن ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز أن فكرتها وجوهرها مُطبق على أعلى مستويات الإجادة والإتقان، وهذا ما تأكد واتضح جلياً من خلال إعلان الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" عن "عدم تأثر الأنظمة الخاصة بها والأنظمة الوطنية المستضافة لديها في المملكة من العطل التقني الذي ضرب معظم دول العالم اليوم" 19 يوليو 2024م. ولكن هذا لا يعفينا نحن متخصصي علم الاجتماع من إحياء فكرة النظرية، وإبراز جوهرها ومدى الحاجة إليها وإلى استيعاب أهميتها، ونقل هذا إلى المهتمين بالتأصيل للظواهر والعوارض الاجتماعية والتقنية والبيئة التي تحدث، وطمأنة المجتمع من وجود آليات تعامل تتبناها الجهات المختلفة وتطبقها بكل تمكن وإتقان، وحث فكرنا الإبداعي على توقع المخاطر التقنية والبيئة لاستدامة هذا النجاح في تجاوز أي خطر.