شكّلت رواية قناع بلون السماء الصادرة عن دار الآداب (طبعة أولى 2023) والحاصلة على الجائزة العربيّة للرواية عام 2024 محاولة جديدة لإعادة النقاش حول انعكاس القضيّة الفلسطينيّة في الأدب عمومًا والرواية خصوصًا، والحقّ أنّ لفظة محاولة تأتي نتيجة وقوع الكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي في فخّ الاجترار من جهة سواء على صعيد الشخصيّة وبنائها وفخّ الهويّة الموضوعاتيّة ما جعل الحوار والوصف ذوي طبيعة معياريّة تفتقد لأي وظيفة على صعيد السرد. اللاوضوح الموضوعاتي والاجترار يحسب لخندقجي قدرته على بناء قالب سرديّ محصّن بالتوصيف الواقعي والحوار بشقيه الداخلي الذي اتّسم بإظهار الجانب النفسي المضطرب للشخصيّة الأساس «نور مهدي الشهدي»من خلال القلق والإفراط في التفكير بحاله كلاجئ متسلل إلى القدس من جهة وابن معتقل سابق خسر الكثير بسبب إيمانه بشعارات ومبادىء استثمرها سواه لغايات سياسيّة واجتماعيّة، لكنّ التعثر الأكبر للكاتب أتى موضوعاتيًّا، فالرواية التي تتمحور أحداثها في مناخ فلسطينيّ عمومًا وفي الداخل الفلسطينيّ اللصيق بالقدس خصوصًا تعرّضت لانتكاسة منذ مطلعها الذي بدأ بمناقشة أمور تاريخيّة ودينيّة تشكّلت على شكل هاجس تجاه طبيعة الشخصيّة الدينيّة «مريم المجدليّة» وصراعات المستمرّة في عقل «نور الشهدي» الباطني من جهة ثانية، فالتمادي بالتطرق إلى رواية دان براون والحديث عن الأناجيل ورواياتها بالإضافة إلى وضع ما يشبه التخطيط البحثي (عبر التطرق لماهيّة الرواية التي يريد نور تأليفها وعلاقته بالأسير مراد) جعللت عمليّة التلقّي سلبيّة عكست أنانيّة الراوي عبر حصر الجهة المستهدفة عبر الرواية، وقد تشكل متن الرواية على نسق موضوعاتيّ غير مترابط حيث لجأت الشخصيّة الرئيسة إلى استعراض كلّ السياق التاريخي المسيحي إلى جانب رحلة الشهدي ما بين انتحال صفة يهوديّة للتفلت من واقعه كلاجئ ما جعل السياقات تتداخل فيما بينها، وأدخل المتلقي في نطاق قراءة الظواهر الاجتماعيّة التي سبق وعولجت في غير رواية منها واقع الشاب الفلسطيني في ظلّ الاحتلال/ العقد الجنسيّة للشاب الأعزب/ واقع الأسير وكيفية تواصله مع العالم الخارجي...حاول خندقجي اعادة إحياء شخصيّة «دايفيد سمحون» التي أدّاها الفنان الراحلل محمود عبدالعزيز في مسلسل رأفت الهجان مجرّدًا إياها من النطاق البوليسي ليصبح نور شهدي فردًا غارقًا في العثور على هويّته بدلًا من كونه عميلًا لمخابرات بلاده.. الوصف والحوار وانعدام الحركة شكّل الاضطراب الموضوعاتي نوعًا من الخلخلة على صعيد التقنيات السرديّة لا سيّما الوصف والحوار، فالوصف جاء ليحافظ فقط على التماسك السردي بحدّه الأدنى دون أن يتقدّم جماليًّا أو تفسيريًّا، والحوار سواء كان داخليًّا أم خارجيًّا ولد محدودًا دون أن يعكس علاقة الشخصيّة بعالمها الخارجي، أو تأثير الاحتلال على سلوكيّة الشخصيّة، يأتي تحوّل الشخصيّات مفاجئًا دون أن يكون هناك سياقًا يرتّب ويمهد لهذا التحوّل، ما أدخل القارىء في بوتقة الذات المشوشّة للشخصيّة الأساس وأفقد النًّ الحسّ الحركيّ والمؤثرات التشويقيّة، هذه الخلخلة على الصعيد التقني جعلت هيكل الرواية يقترب من الهشاشة خصوصًا وأنّ خندقجي بدا ساردًا يبحث عن قضيّة ينطق بها بشكل أدبيّ محدث فارتطم بغياب النسق الحكائي الواضح أو على الأقل غياب الحكايات المترابطة، وتجلّى هذا الأمر بشكل أدق من ناحية توظيف أسماء العلم التي تمثل شخصيّات ثانوية في الرواية حيث بقيت هذه الشخصيّات مجرّد عنصر يزخرف النّص الروائي وهويّته المفترضة دون أن يتمّ توسيع الجانب الحكائي لها أو الاسهاب العاطفي على الأقل بمدى ترابطها مع الشخصيّة الأساس والشخصيّات المساندة. لم تأتِ الحوارات والتوصيفات لتعبّر عن رؤية الروائي إلى الانسان المقهور بطريقة ابداعيّة بل جاءت على شكل اتّباع لما سبق من معالجات واقعيّة وأدبيّة. تبقى محاولة باسم خندقجي الأدبيّة جزءًا لا يتجزأ من هاجس التجديد الذي يبحث عنه الروائي، فلو تمّ استثناء الجانب التاريخي والديني كسياق متداخل مع السياق الواقعي الحاضر لكنا أمام محاولة توكيد للرؤية الفلسطينيّة الأدبيّة القائمة على طرح المشكلات الاجتماعيّة بعيدًا من قضيّة الصراع العربي الاسرائيلي لكنّ خنجدقجي اختار الكتابة اللاوعية عوضًا عن الهندسة السرديّة والموضوعاتيّة. * كاتب وشاعر لبناني نبيل مملوك*