في الوقت الذي يضيع فيه الكثير من تاريخ المجتمعات والحكايا الإنسانية؛ المملكة اليوم تختار التوثيق بالقرار والقلم، عبر أضخم مبادرة أدبية في العصر الحديث لدعم الكُتاب والتي أعلن عنها معالي المستشار تركي آل الشيخ -جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيرًا- عبر عدد من الأدباء والنقاد والكتّاب والسينمائيين يشكلون لجنة التحكيم. قامات سعودية وعالمية تكمل دورها المهني عبر هذه الرعاية الثقافية والفنية الملهمة من الهيئة العامة للترفيه في طي رؤية المملكة التي تسهم بشكل مباشر في تغيير وجه الحضارة الإنسانية وتوثيقها. إن ارتباط القلم مع الكتابة هو محور مقالتي اليوم؛ فاللافت أننا نكرس دوما الكتابة كممارسة مع الأقلام رغم أنني كتبت هذا المقال عبر لوحة مفاتيح جهازي المحمول باللمس دون حبر أو صفحات تخدش أناملي لكن هي أحرفي وأنا أحبرها للقارئ في منصتي الإلكترونية في جريدة الرياض الغراء. لقد عرف البشر القلم منذ آلاف السنين بل يذهب الكثير من علماء تفسير القرآن الكريم أن القلم أول ما خلق الله سبحانه مستشهدين بعدد من الروايات واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت الذي رواه الإمام أحمد وأبو داوُد والترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة). وقد كان للقلم دور كبير في توثيق تاريخ البشر سواء من الحضارة السومرية وألواح الطين والخط المسماري أو الحضارة الفرعونية وأقلام نبات القصب وورق البردي وما بين تطورات صناعته بين الألمان والإنجليز ودخول اليابان على خط التصنيع للأقلام، حتى أصبح القلم اليوم قيمة رمزية فاخرة. سواء كان القلم ذهبيا أو فضيا أو برونزيا فإن الأثر الذي يتركه الحبر في العقول هو الرهان، ولطالما صعب أو استحال قياس الأثر الإنساني للأعمال الفنية فإن التحدي الذي سيواجه النقاد في الجائزة كبير بلا شك؛ وهم أهل له. والأمر الأكثر إثارة هو الفجوة الحسية والمعرفية بين الأجيال وكيف يمكن تلبية ذائقة الجماهير الشابة التي تتغذى على الثقافات المختلفة والمتنوعة، وهل من الممكن أن تكون مثل هذه المبادرات العظيمة نقطة تحول في المجتمع السعودي لنشهد ولادة كُتاب محليين بمعايير عالمية؟ أو حتى صناعتهم لهذه المناسبة التاريخية. بكل حال، يبقى للجماهير الكلمة العليا شئنا أم أبينا، والقرار الأول والأخير، ولعل هذه الحقبة الزمنية تعيد هيبة "القلم" وإعادة صياغة مواد تعليمية داعمة للكتابة، حيث يندر أن تجد في الجامعات لدينا مقررات خاصة بالكتابة، بل يمكنك أن تشاهد بالعين المجردة انهيار المنظومة اللغوية لدى بعض أفراد الأجيال القادمة خاصة من لا يتقنون لغتهم الأم ولا لغة أخرى عباراتهم مشوهة بدون معنى، وهذه بلا شك مسؤوليتنا جميعا. أخيرا، لا تتنازل عن قلمك ولا تجفف حبرك إن كان ما يخطه لا يروق للناس ولا تتخلى عن صفحتك حتى لا تجد عدوك يملأ عليك ما يريد. دمتم بخير.