قبل أيام أبهرني جهاز تلفزيون معروض في لندن، هذا الانبهار من ناحية التقنية التي وصلت لها صناعة التلفزيون والدقة المتناهية بالصورة والصوت، ولكن انبهاري الأبرز كان من ناحية السعر والذي وصل إلى 750 ألف ريال، مبلغ كبير جدا في زمن تطورت فيه هذه الصناعة وأصبحت بمتناول الجميع وبأسعار تنافسية! ولكن السؤال هل ما زال التلفزيون بسحره السابق مع تطور أجهزة الاتصال المتنوعة، وخصوصا الهاتف الجوال، الجهاز السحري الذي غير مسار حياتنا منذ الثورة التي أحدثها ستيف جوبز وشركة أبل، وأصبح هذا الجهاز يجمع كل حياتنا، ومنها أنه الشاشة التلفزيونية التي نشاهدها واستغنينا تقريبا نوعا ما عن جهاز التلفزيون التقليدي، والسؤال الآخر ما سر استثمار شركات تصنيع التلفزيون الكبرى للاستثمار بتطوير تقنيات تلفزيونية جديدة، وعرضها بأسعار تتجاوز عشرات الآلاف والعالم يتجه في الوقت الحاضر لجهاز الجوال المتنقل معه بكل مكان وبسعر مناسب وتقنيات عالية. قصتنا مع التلفزيون قصة مشوقة، تخيلوا وهذا الكلام لأبناء جيلنا الحالي، كانت الجدات من الكبيرات في السن ببعض المناطق، يغطين وجههن عند مشاهدة التلفزيون، وهن يشاهدن المذيعين والممثلين، لاعتقادهن أن الموجودين بالتلفزيون يرون من خلف الشاشات، كانت الحياة ببساطتها مدهشة، مع حلول التلفزيون كضيف على البيوت السعودية، وإن كانت الثورة الأهم بهذا الجانب، اختراع التلفزيون الملون، كانت نقلة كبيرة حولت الشاشة من الأبيض والأسود إلى الألوان، ليكون التلفزيون جزءا أساسيا لا غنى عنه في بيت كل أسرة سعودية، رغم أن هناك من الأسر من كان يُحرم وجوده ويعتبره كبائر المفسدات، التي تؤثر على الأسرة والمجتمع.! بعد ثورة التلفزيون كانت الأسر السعودية على موعد مع الجهاز الذي كان ثورة إعلامية عند دخوله السعودية وهو جهاز الفيديو، وهو ببساطة وكما وصفه الراحل الممثل محمد العلي بمسرحية تحت الكراسي بقوله: "الفيديو الجهاز اللي نشغل فيه الأفلام والأغاني والمسلسلات اللي توافق رغبتنا الشخصية أي بكيفنا، عكس التلفزيون اللي يكون بكيف مسؤولي التلفزيون"، وبعدها جاءت ثورة القنوات الفضائية، وانتقلت الحياة من قناتين تلفزيونيتين محدودة التوجهات والوقت، إلى تلفزيون فيه مئات القنوات التي يجلبها صحن في الأسطح، كان في أيام الصحوة المفسد، والذي وصل الأمر بالكثير منهم، لرميه ببنادق الصيد لمحاولة إيقاف بثه كنوع من الجهاد ضد الفساد التلفزيوني. تطورات متعددة، كان القاسم المشترك هو جهاز التلفزيون، لم يندثر أو يتأثر هذا الجهاز مهما انتشرت الدراسات التي تعلن قرب رحيله، فكان وما زال هو الأساس في البيوت، وهو الرابط ما بين العالم أجمع، لذلك لا غرابة أن يستطيع من يتوفر له المال أن يشتري هذا الجهاز بمئات الألوف، لأنه جهاز سحري بكل ما تعنيه الكلمة، أما السعر فلا تفكروا فيه كثيراً، حتى لو كانت قيمة هذا التلفزيون، قيمة شقة في لندن.