درجت العادة أن يتحوط كثر من الناس بصياغة الوصايا فيما يتعلق بأي أمور تتجه الرغبة لتنظيمها بين ورثة الشخص أو من هم من درجات القربى، وحتى من الغير لمن يرغب الشخص للوصية لهم على سبيل أوجه الخير وهو أمر محمود وحث عليه الدين، بل وتعتبر الوصية من العبادات التي يتقرب بها الموصي لله عز وجل بما لها من فوائد خاصة وعامة لما يمكن لثمار الوصية أن تصيب ورثة الشخص أو المشمولين بها لغرض أوجه الخير، ويتضح ذلك فيما ورد بحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده". وعليه، فلو كان من المستحب على المرء أن يعتني بذويه وورثته بوصية مستقبلية يقرها الشخص في حياته لما بعد مماته حيث تختفيه إرادته تماما، فالأولى أن يوصي لنفسه حين تنتقص هذه الإرادة بمرض يؤدي لعجزه، أن يقر القرارات المصيرية التي تخصه حال كان تحت الرعاية الطبية التي لا تمكنه من أخذ القرار الملائم وفقاً لإرادته. وهنا تتجسد أهمية "وصية الحياة" أو "التوجيه المسبق للرعاية"، فالوصية الطبية بتعريف مبسط هي أداة أو وثيقه قانونية تهدف إلى تحديد رغبات الشخص بشأن الرعاية الصحية في حال عدم قدرته على التعبير عنها بنفسه، فهي تعبر عن إرادة الفرد وتضمن أن يتم معالجته وفقًا لرغباته حتى في حالات العجز أو فقدان الوعي. وتتجسد أهمية الوصية الطبية فيما يلي: 1. تجنب اللجوء إلى القرارات الصعبة: بوجود وصية طبية، يمكن للأشخاص تحديد العلاجات التي يرغبون فيها أو يعترضون عليها في حالات الطوارئ الطبية، وهذا من شأنه أن يخفف من الضغط على أفراد الأسرة والأطباء الذين يجب أن يتخذوا قرارات حاسمة في ظروف غير متوقعة. 2. احترام إرادة المريض: الوصية الطبية تحترم إرادة الفرد وتمنحه السيطرة على علاجه الطبي، مما يضمن له الراحة النفسية بأن يتم الاعتناء به وفقًا لرغباته الشخصية. 3. تقليل الصراعات القانونية: في حالات عدم وجود وصية طبية، قد تنشأ صراعات قانونية بين أفراد الأسرة أو بين الأطباء والأقارب بشأن العلاجات المناسبة. وعليه فإن الوصية الطبية تقلل من هذه الصراعات من خلال توضيح رغبات المريض مسبقًا ووجوب إعمالها واحترامها. 4. تسهيل عمل الأطباء: تعد الوصية الطبية دليلًا مهمًا يسهل عمل الأطباء في اتخاذ القرارات السريعة والصحيحة في حالات الطوارئ، حيث يتم توجيههم بواسطتها لمعالجة المريض بالطريقة التي يفضلها المريض نفسه. ويراعى في صياغة الوصية الطبية ثلاثة معايير يجب أن يضمنها الشخص بهذه الوثيقة أو الوصية، وهي: اختيار الشخص الموثوق به: حيث يجب على المريض اختيار شخص يثق به من أسرته ليكون وكيلاً عنه ليمثله في حالة عدم قدرته على اتخاذ القرارات الصحية. تحديد الرغبات الطبية: يجب أن تشمل الوصية الطبية تفاصيل واضحة حول العلاجات والبروتوكولات العلاجية التي يُفضل المريض تلقيها واتباعها، مثل: الإنعاش القلبي الرئوي، والتدابير الحياتية الداعمة، وغيرها، مما يحتمل عدة خيارات أو آراء طبية متخصصة وهو ما يستدعي تدخل متخصص طبي يعطي الرأي القانوني الملائم لمبرم الوصية فيما يتعلق بإرادة الشخص عن التوجه الطبي الأنسب لحالته أو توجيهاته المتعلقه بالتعامل الطبي معه حال تم الاحتياج له. التوقيع والهيكل القانوني: يجب أن تُكتب الوصية الطبية بشكل ملائم وواضح وفقاً لمقتضاها الذي يعكس رغبة الشخص المسبقة وهو في كامل صحته، ولهذا ولتكتسب القوة الإلزامية، يجب أن يتم صياغتها من متخصص يضمن الألفاظ والبنود القانونية التي تضمن نفاذ هذه الوصية بما لا يتعارض مع صحيح النظام. لذا، فالوصية الطبية هي أداة حيوية مهمة تضمن حصول المريض متلقي الرعاية الصحية على العلاج المناسب وفقًا لرغباته الشخصية، حتى في أصعب الظروف الطبية التي تضعف خلالها إرادة الشخص. وهو ما يجب على كل فرد التفكير في إعداد وصيته الطبية لضمان تلبية توقعاته وحماية حقوقه الطبية والقانونية في المستقبل ودرء أي خلاف بين أسرة الشخص خلال أزمته الصحية. *محامٍ