ما إن تبدأ شمس الصباح بتفكيك ما تستطيع من السحب الكثيفة المعلقة فوق بروكسل، تلتف مجموعة من المسؤولين بالأوجه المتجهمة في غرفة اجتماعات أنيقة ذات جدران زجاجية في قلب مقر المفوضية الأوروبية. يجتمع الفريق لإكمال ما بدأوه منذ أشهر، لتشريح واحدة من أهم القضايا وأكثرها إثارة للجدل في العصر الرقمي: تعميق علاقات مايكروسوفت مع شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح. المخاطر عالية، والجو متوتر. في خبر نشرته وسائل الإعلام: أعلنت مايكروسوفت الثلاثاء الماضي، أنها تنازلت عن مقعدها في مجلس إدارة الذكاء الاصطناعي المفتوح. مايكروسوفت التي تملك الحصة الأكبر من شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح، ما زالت ملتزمة باستثمار 13 مليار دولار في الشركة، حيث يمثل تنازلها عن مقعدها في المجلس استجابة لضغوط المشرعين التي تطالب بشفافية أكبر حول العلاقة بين الشركتين. يعلق أحد المشرعين على الخبر: خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن ما زال الطريق طويلا. على الطاولة، توجد كومة متناثرة من الوثائق التي تحمل شعارات مايكروسوفت وجوجل وميتا وعمالقة التقنية الآخرين، كل واحدة منها قطعة في لغز معقد، صمم المشرعون على حله. يبدأ المسؤولون في غربلة هذه الأوراق، وتعبيراتهم القلقة الممزوجة بالتصميم تدل أن التحدي صعب. إنه الفريق الذي يمد وصايته على المنافسة العادلة في أوروبا، واليوم، ينصب تركيزهم على استثمارات الذكاء الاصطناعي. عبر المحيط الأطلسي، تجري مناقشات مماثلة. في العاصمة واشنطن، يحقق المنظمون في الشبكة المعقدة للعلاقات بين عمالقة التقنية والشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي أيضا. تشير الأسئلة المطروحة إلى أن التدقيق لا تهاون فيه. كيف تشكل هذه الاستثمارات مستقبل الذكاء الاصطناعي، وهل تخرج الشركات الصغيرة من السوق؟ بالنسبة إلى المحققين، ملامح إساءة استخدام القوة السوقية تلوح في الأفق. في ريدموند، واشنطن، يدرك المديرون التنفيذيون لشركة مايكروسوفت حجم المشكلة. في قاعة مجالس إدارة واسعة تطل على حرم الشركة المترامي الأطراف، يناقشون استراتيجيتهم. يقول راج، كبير المسؤولين القانونيين، مخاطبا فريقه: يجب أن نكون شفافين، نحن بحاجة إلى إظهار أن شراكتنا مع الذكاء الاصطناعي المفتوح تتعلق بتعزيز الابتكار، وليس خنق المنافسة. ليس هذا التدقيق التنظيمي جديدا. تاريخيا، واجه عمالقة التقنية اختبارات مماثلة لممارسات السوق وعمليات الاستحواذ. فقد تحاشت مايكروسوفت مواجهة المنظمين سابقا عندما قدمت تنازلات مكنتها من إغلاق أحد أكبر الاستحواذات بقيمة 69 مليار دولار لشركة ألعاب الفيديو (بليزيرد) حيث وافقت على توفير اللعبة على منصات الشركات المنافسة. يسلط التركيز التنظيمي الضوء على علاقات مايكروسوفت بالذكاء الاصطناعي المفتوح في منعطف حرج في تطور الذكاء الاصطناعي وحوكمته. بينما يتعمق المنظمون في الآثار المترتبة على هذه الشراكات، من الضروري تحقيق توازن يعزز الابتكار مع حماية المنافسة. لا ينبغي أن يرسم القلة مستقبل الذكاء الاصطناعي إنما يجب أن يشكله سوق متنوع في بيئة تنافسية تفيد الجميع.