في قلب التقنية الصاخب، تقود لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية تحولاً كبيراً، مركزة على المستقبل، نحو الذكاء الاصطناعي. في الخميس الماضي، انطلقت قصة جديدة، تتمحور سرديتها حول التحقيق في الشبكة المعقدة التي نسجتها شركات كبرى مثل: مايكروسوفت وأمازون وغوغل باستثماراتها الضخمة في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة. لا تنوي لجنة التجارة الفيدرالية أن تنجز تحقيقاً إجرائياً فقط؛ إنما تنوي إجراء فحص دقيق لممارسات عمالقة التقنية بملياراتها التي وضعت على المحك، سواء لكتابة فصل جديد من الابتكار والمنافسة أو لخنقه. على لسان رئيس لجنة التجارة الفيدرالية، يتبين الإلحاح الذي يشحن به الجو العام، حيث تتضح الحاجة إلى اليقظة للكشف عن التكتيكات التي يمكن أن تغلق الأبواب نحو أسواق جديدة، الدافع وراء هذا التحرك المشوب بالخوف والقلق هو الصعود الصاروخي للذكاء الاصطناعي، خوف يعززه الاندفاع غير المسبوق نحو الاستثمار المباشر في الشركات الكبيرة بجرأة في منطقة مجهولة تثير التساؤل حول ما وراء هذه المراهنة. يكفي أن مايكروسوفت أذهلت العالم باستثمارها البالغ 13 مليار دولار في شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح وما تبعها من رهانات ضخمة مماثلة لأمازون وألفابت، استثمارات لا يمكن اعتبارها تحركات عادية، إنما ضربات جريئة على لوحة الابتكار. التحقيق الذي تقوده لجنة التجارة الفيدرالية، ينبثق من الرغبة في فك رموز المناورات الاستراتيجية التي تمارسها الشركات للسيطرة على السوق بإلقاء شبكتها الواسعة لصيد الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى جهود التشريعات الجديدة لضبط ممارسات الشركات في تطبيق التقنيات الناشئة، تأخذ الولاياتالمتحدة خطوات ضد الاحتكار الذي يمكن أن يخنق نمو البحث والابتكار، المياه المجهولة التي تدخلها الوكالة باحثة عما يبدو لها من ممارسات احتكارية جديدة، امتحان لقدرتها على ضبط سلوك الشركات بما ينعكس على المشهد الاقتصادي العام نحو النمو والازدهار. مع تطور التحقيق، سينكشف لنا احتمال ظهور نظريات قانونية جديدة تسن لفك الشبكة المعقدة التي كونتها الشركات الكبرى بمهارة بعقد الشراكات والاستثمارات الاستراتيجية، الإعلان عن التحقيق في الشركات والاستثمارات الاستراتيجية هو بيان لنية قوية لتحدي الأطر القانونية الحالية التي تمكن الشركات من ممارسة نفوذها في عالم الذكاء الاصطناعي سريع التطور. بانتظار ما تؤدي إليه هذه القصة التي تتكشف تفاصيلها يوماً بعد يوم، تلوح أسئلة مهمة. هل كانت الاستثمارات ممكنة للابتكار دعماً للاعبين الجدد ودافعة لهم في الظهور والازدهار، أم أنها تعزز هيمنة القلة ذات النفوذ الراسخ؟ ما يمكن أن تؤدي إليه تحقيقات لجنة التجارة الفيدرالية هو الوصول إلى إجابات تضيء الطريق للقادمين الجدد الذين يفكرون في مستقبل المنافسة والتعاون في عصر الذكاء الاصطناعي. إنما والعالم يتابع تطورات المشهد، هل سيؤثر التحقيق على وتيرة التقدم الذي يعد به الذكاء الاصطناعي، أم سيؤدي هذا التدخل لعرقلة عجلة الابتكار التي تنطلق بكامل عنفوانها في خطأ تاريخي لا يغتفر؟