التعليم الذي يتبنى فلسفة "ستم" يبدأ من تعليم المعلم وبناء مناهج تربط العلوم ببعضها وتعتمد على حل المشكلات وعلى بناء الافكار عمليا وتجربة تطبيقها تصاحب حرارة الصيف هموماً من نوع آخر تتحملها الأسر التي لديها أبناء على وشك الالتحاق بالجامعة، هذه الهموم تزداد عاما بعد عام وكأن الحل الوحيد لبناء المستقبل هو التخرج من إحدى الجامعات.. يمكن أن أشير هنا إلى أمرين، الاول هو أن معايير القبول التي تعتمد على النسب الموزونة لاختبارات القياس قد تكون مجحفة بحق كثير من الطلاب ويفترض أن تترك وزارة التعليم للجامعات الحرية كاملة في تطوير معايير قبولها الخاصة وأن تكون هذه المعايير معلنة مثل الجامعات الأمريكية والبريطانية، الامر الثاني هو تطوير التعليم العام بحيث يمكن لخريج الثانوية العمل مباشرة، هذا الامر يحتاج الى تطوير التعليم كليا وبناء سياسات مختلفة عما هو متبع حاليا وأهم خطوة هي تطوير المعلم وهذه خطوة كبيرة لا تتضح لها معالم حتى الآن، خلال الأسبوع الفائت عقدت منظمة الاممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ومؤسسة عبدالله الفوزان للتعليم دورة تدريبية حول بناء وتشغيل الروبوتات في مركز القصيم العلمي، الهدف من الندوة تدريب المعلمين والمهتمين بتقنيات الروبوتات والعلوم بشكل عام على التفكير خارج الصندوق من خلال ابتكار وبناء مشاريعهم التقنية الخاصة. الجدير بالذكر ان مؤسسة عبدالله الفوزان قامت بتأسيس جائزة اليونسكو/ الفوزان الدولية للعلماء الشباب عام 2021م وهي الجائزة السعودية الوحيدة في اليونسكو وتهدف الى خلق مجتمع من العلماء في مجالات "ستم" (العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات) STEM. عندما وصلنا إلى مركز القصيم في عنيزة شعرت بالصدمة من وجود مركز يحتوي على أكاديمية تدريب (حمد الشبيلي) ومتحف للعلوم (واحة الزامل)، ومنبع الصدمة يكمن في وجود مثل هذا المركز المتطور الذي نشأ كفكرة من قبل مجموعة من الناس على رأسهم المشرف العام على المركز الاستاذ أحمد الشبل ورجالات القصيم واستمر العمل على تطويره أكثر من عشرين عاما، الصبر والمثابرة والايمان بفكرة "ستيم" وتأثيرها شكلت الحوافز على الاستمرار حتى تحققت الفكرة، يصعب أن تجد مشروعا تعليميا وقفيا ناجحا مثل هذا المشروع في منطقة أخرى في المملكة. يجب أن أذكر أن تنظيمنا للورشة في هذا المركز لأن من يقوم على إدارته هم الذين وصلوا لنا ولم ينتظروا أن نأتيهم أو يأتيهم أحد. المبادرة في كل شيء هي أحد عناوين مركز القصيم العلمي. شارك في تقديم الورشة مخترع الربوت الذي تدور حوله المهارة التدريبية السيد "جوان نادال" وشارك معه مساعدة من فريق المؤسسة ومن المتدربات السعوديات في اليونسكو، أحد النتائج المهمة هي خوض التجربة العلمية مباشرة، ليس فقط من الناحية النظرية، بل من خلال ربط التعليم بالتطبيق وهذه هي فلسفة "ستم". فلسفة "الربط" سواء ربط العلوم بعضها ببعض أو ربط العلوم بالواقع، لماذا ندرس الرياضيات ولماذا نتعلم الكيمياء والفيزياء، فلسفة التعليم القائمة على هذا الربط العلمي لا تكتفي بمجرد التعليم بل تركز على التطبيق اولا. لذلك صممت الورشة التي شارك فيها 15 متدرب ومتدربة كي يتعلم كل منهم كيف يبني مشروعه (الروبوت) من الصفر وكيف يوجه تشغيله باستخدام الذكاء الاصطناعي حسب الحاجة التي يصنع من اجلها. لابد أن أذكر أن هذه الفلسفة مثلت نقاشا مستمرا على مدى يومين بين المدير التنفيذي لجائزة اليونسكو/الفوزان الدكتورة ندى النافع والاستاذ الشبل والاستاذ عبدالعزيز العظاظ (من وزارة التعليم وأحد من عملوا على تأسيس المركز). فالتعليم الذي يتبنى فلسفة "ستم" يبدأ من تعليم المعلم وبناء مناهج تربط العلوم ببعضها وتعتمد على حل المشكلات وعلى بناء الافكار عمليا وتجربة تطبيقها. ذكرت الدكتورة النافع أن هذا الهدف هو احد طموحات مؤسسة عبدالله الفوزان للتعليم وتتمنى ان يتحقق على أرض الواقع وترى دور جائزة اليونسكو/ الفوزان كمحرك لصناعة مثل هذه البيئة العلمية/ العملية في المستقبل فالألف ميل يبدأ بخطوة. عندما ذكرت إشكالية القبول في الجامعات ومعاناة الاسر كل صيف كنت أفكر في حل جذري للمشكلة وليس فقط في تغيير معايير القبول، فالأصل هو فك الارتباط بين سوق العمل والدراسة الجامعية والتركيز على البرامج التعليمية المهارية التي توظف الذكاء الاصطناعي وهو ما يدعو له "ستم". تحقيق هذه النقلة بحاجة الى جرأة وتفكير عميق في المستقبل بدلا من تكدس الخريجين من الجامعات الذين لا يملكون مهارة ولا يستطيعون فعل شيء. ربما تكون ورشة القصيم مجرد تجربة وفكرة لمشروع أكبر يغير رؤية الشباب والشابات للمستقبل. شخصياً آمل ذلك.