أكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية أوزباكستان، الأستاذ يوسف بن صالح القهرة، في حوار خاص مع «الرياض» أن العلاقات السعودية - الأوزبكية متطورة ومتنامية، منذ أن استقلت أوزباكستان في العام 1991م ومنذ ذلك الوقت، تشهد العلاقات تواصلاً وتعاوناً في جميع المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الشقيقين. كما وصف السفير القهرة، الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين، بأنها أسست نهجاً جديداً في العلاقات الثنائية، ودفعت بها إلى آفاق أوسع، وستؤطر لمستقبل أفضل بإذن الله. وقال: شهدت العلاقات تطوراً واضحاً خصوصاً في المجال الاقتصادي والتجاري، من خلال تبادل الزيارات بين المسؤولين في القطاعات المعنية، ومن خلال عقد عدة دورات للجان الحكومية المشتركة، ودورات مجلس ومنتديات الأعمال، معبراً عن تطلعه بأن تحقق تلك المنتديات والمجالس الفرص الاستثمارية الواعدة للشركات السعودية، وكذلك للأوزبكية. وتطرق أيضاً، إلى العديد من الموضوعات التي تهم البلدين، نتناولها في تفاصيل الحوار التالي: * كانت المملكة العربية السعودية من أولى دول العالم التي اعترفت باستقلال جمهورية أوزبكستان، وذلك في عام 1991م. كيف استطاع البلدان الوصول بالعلاقة إلى هذا المستوى المميز من التعاون والشراكة، رغم قصر الفترة الزمنية لتدشين العلاقات الدبلوماسية، وكثرة التحديات والعقبات؟ * يعود السبب في ذلك إلى أن قيادة البلدين لديهما رؤية واضحة وأهداف مشتركة، رغبة في أخذ العلاقات الثنائية إلى مستويات تحقق طموحات الشعبين الشقيقين، ونظراً للعلاقة التاريخية والقواسم المشتركة، التي ستساهم في تعزيز العلاقات. والسعي إلى توسيعها، من خلال الرؤية التي يتمتع بها الجانبين، نحو الاستفادة من مكتسبات كل بلد، وانعكاسها على متانة العلاقة. * سعادة السفير، حدثنا عن برامج ومشروعات "الصندوق السعودي للتنمية" في أوزبكستان، سواء بشكل مستقل، أو ضمن مجموعة التنسيق العربية؟ * يقوم الصندوق السعودي للتنمية بجهود كبيرة في أوزبكستان، ويساهم بشكل واضح في العديد من مشاريع البنية التحتية لهذه البلاد، فقد بلغ اجمالي القروض الميسرة التي قدمها الصندوق أكثر من مليار ريال، وتشمل حوالي 12مشروعاً. وقد زار سعادة الرئيس التنفيذي للصندوق الأستاذ/ سلطان المرشد، أوزبكستان عدة مرات، والتقى بكبار المسؤولين هنا، وعلى رأسهم دولة رئيس الوزراء، حيث نوقش العديد من المشاريع، التي قدمت للصندوق وطلب دراستها، والتي تسهم في بناء أوزبكستان الجديدة إنشاء الله. نصف مليون أوزبكي زاروا المملكة العام الماضي كما أن هناك فريق عمل من الصندوق، يقوم باستمرار بزيارة أوزبكستان، لمتابعة المشاريع وتقييم العمل فيها، وكذلك دراسة اي طلبات ترد من الجانب الأوزبكي، لمشاريع جديدة ترغب الحكومة في دراستها وتمويلها. * شاهدنا خلال السنوات الأخيرة، استمرار البلدين في الدعم والتأييد المتبادل لمواقف وترشيحات كل منهما، في إطار المنظمات الدولية. سواء في الأممالمتحدة، أو اليونسكو، أو لجان التراث العالمي وغيرها. ما دلالة مثل هذه المواقف، وانعكاسها على نطاق العلاقات مستقبلاً؟ * الدعم المتبادل والتأييد بين البلدين في إطار عمل المنظمات الدولية والإقليمية، إحدى صور التعاون بين الجانبين، فهناك تنسيق كبير في هذا المجال، بما يحقق مصالح كل دولة، ويعزز من اهداف المنظمات الدولية والإقليمية، بالإضافة الى تبادل الآراء وتنسيق المواقف، في القضايا الدولية والإقليمية. وفي هذا الإطار، ولمزيد من التنسيق في ذلك، فقد عقدت لجنة المشاورات السياسية اجتماعها الأخير في مارس الماضي، برئاسة معالي المهندس وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية، حيث تم مناقشة العديد من المواضيع المتعلقة بتنسيق المواقف، حيال القضايا الإقليمية والدولية، وكذلك بطلبات الدعم المتبادل بين الجانبين، وقد حققت تلك المشاورات إنجازات هامة، في تسريع التعاون وتنسق المواقف. * كيف كان أثر الزيارات الرسمية لسمو الأمير فيصل بن فرحان – وزير الخارجية الى أوزبكستان، في تعزيز الثقة وتعميق التعاون بين البلدين؟ * كانت زيارة سمو وزير الخارجية في 15 أبريل 2024م، للمشاركة في الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الاستراتيجي، لدول مجلس التعاون الخليجي ودول أسيا الوسطى. ولقاء سموه بفخامة رئيس الجمهورية، وعقده اجتماعاً ثنائي مع وزير الخارجية، والتوقيع على اتفاقية الاعفاء المتبادل لحاملي الجوازات، الدبلوماسية والخاصة من التأشيرات، كلها أعطت العلاقات الثنائية زخماً كبيراً، والدفع بها نحو آفاق أوسع، وهو يحظى بتقدير كبير من رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين في أوزبكستان، ودائماً ما يتطلعون الى زياراته. وفي المقابل حرص سموه على تطوير العلاقات وتعزيزها، وعلى التنسيق فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك بين البلدين. * عندما وصلتم إلى أوزبكستان، ما الملف الأهم بالنسبة لكم، ولماذا؟ * عند مباشرتي للعمل في أوزبكستان كان هناك العديد من المستهدفات، التي وبحمد الله تم تحقيقها، بفضل دعم المسؤولين في البلدين، ومن خلال الزيارات رفيعة المستوى. وقد كان من أبرز تلك المستهدفات، زيارة فخامة رئيس الجمهورية إلى المملكة في 17 أغسطس 2022م التي تعد الزيارة الأولى لرئيس منذ ثلاثون عاماً، وتم خلالها لقاء فخامته بصاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله- وقد اخذت العلاقة بعد ذلك تسارعاً كبيراً، نشهد اليوم ثماره. كما زار فخامته المملكة للمشاركة في قمة دول مجلس التعاون، لدول الخليج العربية ودول أسيا الوسطى، في شهر يوليو 2023م، ولقاءه بسمو ولي العهد على هامش أعمال القمة. كما تحققت أهداف أخرى، ومنها اعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول إلى أوزبكستان، اعتباراً من الأول من يناير 2023م، واعفائهم أيضاً من متطلب وجود تذكرة العودة، التي كانت شرطاً للدخول. وتم بحمد الله كذلك، تسيير رحلات مباشرة بين جده وطشقند، من خلال شركة طيران (ناس) بواقع (8) رحلات أسبوعياً، بخلاف شركات الطيران التجاري الأوزبكية، واليوم هناك أكثر من 25 رحلة أسبوعياً، ونتطلع الى مضاعفة العدد، من خلال شركات الطيران الأخرى ك(الخطوط السعودية، وطيران أديل) فلديهم خطط مستقبلية للبدء في تسيير رحلات مباشرة لعدد من المحطات بين البلدين، في تحقق زيادة كثيرة في اعداد المعتمرين، انسجاماً مع رؤية المملكة 2030، حيث كانت الاعداد متواضعة جداً للأعوام التي سبقت 2021م، وبعد ذلك تجاوز العدد (300) ألف معتمر للعام 2022م، وتجاوز نصف مليون للعام 2023م، وهذا بفضل الخدمات والتسهيلات التي قدمت ولا تزال تقدم، بالإضافة الى البرامج والمبادرات لكل قاصد للحرمين الشريفين. وقد كان للزيارة المثمرة لمعالي وزير الحج والعمرة الدكتور/ توفيق الربيعة إلى أوزبكستان في نهاية ديسمبر 2022م، دور كبير، وكذلك المعرض الذي أقيم من هيئة السياحة، حقق نجاحاً باهراً، وما نشهده اليوم من تزايد لأعداد المعتمرين والسياح أيضاً، دليلاً على تكامل وتضافر كافة الجهود للجهات المعنية، يضاف إلى ذلك الدور البارز للجنة السعودية الأوزبكية المشتركة، والتي يرأسها معالي وزير الاستثمار المهندس/ خالد الفالح، والتي تعد من انشط اللجان المشتركة في دول آسيا الوسطى، وقد عقدت أخر دورة لها في ديسمبر 2023م. ولا يفوتني هنا الإشادة بدور مجلس رجال الاعمال السعودي الاوزبكي، فهو داعم كبير لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية وغيرها. وهو يعقد بشكل مستمر، ويعود ذلك للاهتمام الكبير الذي يوليه سعادة الأستاذ/ محمد أبو نيان، رئيس الجانب السعودي في المجلس، فهو كذلك يحظى بتقدير كبير من كافة الأوساط في أوزبكستان. ونظراً للدور المؤثر الذي تقوم به شركة أكواباور، التي تقود قطار الاستثمارات السعودية هنا، باستثمارات تجاوزت (17) مليار دولار. هذا بخلاف شركات سعودية أخرى بدأت بالاستثمار، كشركة "رؤية الاستثمار" لأنشاء مطار جديد في العاصمة طشقند، وشركة "واتا فولت" في مجال التقنية، وغيرها من الشركات، ونأمل أن يتجاوز حجم الاستثمارات أكثر من 30 مليار دولار في المستقبل القريب إن شاء الله، كما أن هناك مجالات أخرى كالتعليم والصحة والزراعة وغيرها، درس مشاريعها حالياً باستثمارات تصل لحوالي (30) مليار دولار. 25 رحلة جوية أسبوعية بين البلدين * كيف ينظر المسؤولون في أوزبكستان إلى رؤية السعودية 2030 وكذلك الحراك الثقافي والاجتماعي الحاصل في المملكة؟ * نظرة الجانب الاوزبكي لرؤية المملكة تأخذ عدة أوجه، أولها: الإشادة بتلك الرؤية والمنجزات التي تحققت بفضل الله، قبل الوصول لعام 2030م. والوجه الثاني: أن الجانب الاوزبكي ينظر إلى الرؤية في إطارها الاشمل، فيما يختص التعاون وتطوير العلاقات الثنائية الدولية، كما ينظر إلى الرؤية كنموذج يمكن الاحتذاء به، وهو ما تم في أوزبكستان من خلال اعتمادها رؤية 2030 م أيضاً، لما لمسوه من النجاحات التي حققتها المملكة في رؤيتها وانجازها للعديد من المستهدفات، قبل العام 2030م. * ماذا عن التعاون في القطاع السياحي والثقافي والرياضي؟ * يشهد القطاع السياحي والثقافي والرياضي تطوراً متسارع في التعاون بين الدولتين، من خلال ما تحقق من مستهدفات رؤية المملكة 2030 . ففي القطاع السياحي، تجاوزنا 37 ألف تأشيرة سياحية للعام 2023م، ومن المتوقع مضاعفة العدد هذا العام، كما شهد هذا القطاع ادراج أوزبكستان ضمن قائمة الدول المعفاة من تأشيرة الدخول، ويمكن الحصول عليها عبر منصة (VisitSaudi) أو عند الوصول إلى احدى مطارات المملكة، بالإضافة إلى زيادة عدد الرحلات المباشرة بين البلدين، هذا من جانب. ومن جانب أخر فإن المعارض والفعاليات التي تقام في المملكة واوزبكستان للشركات السياحية سوف تعود بالمنفعة المتبادلة للبلدين. أما عن الجانب الثقافي، فهذا أيضاً محل اهتمام من الجانبين، وحالياً يتم الاعداد لإقامة أيام ثقافية بين البلدين، للتعريف بالجوانب الثقافية والتراثية، التي تزخر بها الدولتين، ولتقريب التواصل بين الشعبيين الشقيقين، ويمكن كذاك تفعيل برامج أخرى من خلال الدور المهم الذي يقوم به مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، عن طريق تعاونه من الجامعات في أوزبكستان، من خلال تعليم اللغة العربية. رياضياً، هناك اهتمام ومتابعة من الجانب الاوزبكي للتطورات المتسارعة التي تشهدها الرياضة في المملكة، وهناك استثمارات وفرص يمكن استغلالها، سواء كانت جزءاً من القطاع الحكومي، او عن طريق الشركات السعودية والاوزبكية، وهذه الفرص قد يتم بحثها ودراستها عن طريق المجالس والوزارات المعنية، مثل الاستثمار ووزارة الرياضة، والتي تخدم الشعبين في نهاية المطاف، وتساهم في تطوير عناصر المنظومة الرياضية. كما لا يخفى على القارئ الكريم، أن الاستضافة السعودية المنتظرة لكأس العالم في 2034، بجانب استضافة فعاليات رياضية كبرى أخرى في المرحلة المقبلة، بوصفها جزءاً من رؤية 2030 تعطي أهمية وتأثير كبير للرياضة، في مستقبل العلاقات بين البلدين. الصندوق السعودي للتنمية قدم مليار ريال لتمويل 12 مشروعاً * سعادة السفير، كلمة أخيرة تحب أن توجهها من خلال جريدة "الرياض" بهذه المناسبة؟ * لا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أتقدم أولاً بالشكر الجزيل للأستاذ/ عبدالعزيز الشهري، المحرر السياسي في جريدة الرياض، على زيارته لجمهورية أوزبكستان، وإثراء زيارته بالتقارير التي أعدها عن مدن أوزبكستان التي زارها، حيث غطى العديد من الجوانب التاريخية والتراثية والإسلامية في هذه الزيارات. من جانب آخر، أود أن أعبر عن امتناني الخالص، للدعم الكبير الذي حظيت به من المسؤولين في المملكة، وكذلك من المسؤولين في أوزبكستان، لتحقيق الأهداف المزمع تحقيقها، وقد تم إنجاز الكثير منها بحمد الله، وبدون ذلك الدعم ما كان من اليسير تحقيقها، بالإضافة إلى ذلك يسرني، أن ادعو المواطنين السعوديين لزيارة أوزبكستان، فهي بلاد عريقة بتاريخها وزاخرة بتراثها الإسلامي والثقافي الحضاري، وشعبها مضياف وكريم. والجميع يتطلع اليوم للاستفادة من زخم تلك العلاقات الأخوية، لتحقيق تطلعات القيادتين، فلدينا جميعاً رؤية وإدارة وعزيمة، سيكون لها الأثر الكبير في الارتقاء بالعلاقات الى مستويات مختلفة وغير مسبوقة.