للفقر حالتان، أولهما الانتقال من فقر إلى ما هو دونه، وثانيهما، الانتقال من الفقر إلى التحسين والتطوير التدريجي، والناس في المجتمع بين الحالتين يعيشون، فمن تعايش مع الفقر كان من الفئة الأولى، ومن رضي بواقعه وانطلق من حالة الرضى إلى مرحلة التحسين، أدار فقره الإدارة الصحيحة. ولإدارة الفقر عليك أولاً أن تدرك بأن الفقر ليس وحشاً كاسراً، ولا هو خطر عظيم يتهدد روحك، وإنما الفقر هو حالة طبيعية جداً لتقلبات الحياة، ومرحلة صحية جداً، تتعافى فيها روحك من ضعفها، وتتقوى فيها نفسك بمفاهيم أكثر عمقاً عن الحياة والناس، وتتأصل في عزيمتك معانٍ أكثر جرأة وشجاعة حول قضية المواجهة والجسارة والشجاعة في مواجهة الصعاب. وعندما نفهم أن الفقر الإيجابي يفعل كل هذا بنا، ندرك كم أن مرحلة الفقر التي قد تمتد لشهور أو حتى لسنوات، ما هي سوى مرحلة صناعة، نصنع فيها لنكون بعد انتهائها أكثر قوة، وأكثر قدرة على النجاح، وأعلى فهماً لمتطلبات النجاح. إدارة الفقر تعني أنك ذاهب في اتجاه امتلاك أدوات التحسين والتطوير للخروج من أزمة الفقر، لكن عليك أن تمتلكها بهدوء، وبتخطيط، وبعدم رغبة في الخروج غير المنظم من مرحلة الفقر، لأن أي خروج غير منظم من مرحلة الفقر سيعني انتقالك إلى مرحلة الرغبة في الكسب السريع، والقفز من فوق الحواجز الطبيعية التي تحول بينك وبين الحياة الأفضل، وهنا ستبدأ بارتكاب أخطاء حتى وإن لم تكن قانونية، إلا أنها قد تكون مجتمعية ونفسية ومفاهيمية، تؤسس عندك لفهم غير سليم للعالم والمجتمع، ما قد ينقلك مستقبلاً إلى حالة فقر أشد من التي كنت فيها. إدارة الفقر تتطلب منك فهم أسباب النجاح المنطقي والطبيعي، ودراسة مجتمعك وفهمه الفهم العميق، والتحول إلى حالة من الوعي المجتمعي والاقتصادي وحتى السياسي لتفهم دولتك ووطنك، وهذا كله يجعلك قادراً على التجاوب مع متطلبات الحياة، وتلبية شروط التحسين والتطوير والنجاح من دون أن تقع في إشكالات لا قانونية ولا مجتمعية. أنت دوماً تحتاج إلى صناعة نفسك، لكي يقبلك محيطك وفق مفاهيمه الأخلاقية السليمة، وما عليك حين تستكمل صناعة نفسك ومهاراتك وإمكاناتك إلا أن تكون جزءاً من المنظومة الأخلاقية السليمة التي يرعاها مجتمعك ويدعو إليها أفراده، وحينها تكون قد وضعت قدميك على أول الطريق. ومن المهم بمكان ألا تحاول فرض رؤيتك الخاصة على محيطك لأن الفرد لا يمكنه تغيير المجموعة في عالم تنتقل فيه الأفكار والمفاهيم وتتبدل من دون توقف.