يمر الإنسان - من وقت لآخر- بمنعطفات جذرية في مسار حياته لا يملك الخيار لتفاديها بقدر ما يكون مسيرا على مواجهاتها فالرحيل حزن كلهيب الشمس يبخّر الذكريات من القلب ليسمو بها إلى عليائها، فتجيبه العيون بنثر مائها؛ لتطفئ لهيب الذكريات. حديثي في هذه الخاطرة عن ابن العم الغالي الأخ محمد بن عبدالقادر الهديان -يرحمه الله- حيث كان أيقونة رمزية في محيط العائلة تحظى بالاحترام والتقدير. فمنذ توفي العم عبدالقادر وابنيه صالح وفهد -يرحمهم الله- لم تسقط راية الأبوة، بل أمسك الأخ محمد بها وظلت شامخة ترفرف على أفراد العائلة بالطمأنينة وتشع بالمودة والرحمة، وكان محسنا في أهله وذويه وخير عون لمن يلجأ إليه، يبذل وقته وجهده ساعيا لهم بالخير يجبر خاطر المنكسر ويلبي دعوة الداعي قدر الإمكان وفق ظروفه لا يغادر مجلسا إلا ويترك أثر طيب، بين حضوره وغيابه يصنع الفرق؛ كان حضوره محل الترحيب والتقدير ولغيابه فقدان عند محبيه، وذاع صيته لما يتمتع به من سجايا الخير؛ وبأخلاقه الطيبة وحسن تعامله ولباقته وصفاته الحميدة التي يجمع عليها من يعرفه. كان -يرحمه الله- رجل توافقي وذو معشر حسن لا يمل من مجلسه وهو صاحب الطرفة والابتسامة التي لا تفارق محياه، كسب ود ومحبة الكثيرين ممن ارتبط بهم من خلال عمله في الصحافة أو تنقله في مهام عمله الوظيفي حيث كانت العلاقة المهنية والأخوية نبراس منهجه. من ذكرياتي الجميلة التي لا تنسى - ويشاركني فيها الكثير من أفراد العائلة - أننا كنا دائما نتشاطر الأفراح والأحزان وعلى وجه الخصوص مع الأخ محمد الذي يسعى دائماً إلى جعل لقاءات العائلة حافلة بالخير والعطاء بهدف أن نحقق سعادةً وحبّاً دائمين للكبار والصغار حيث كان مبادرا الى استثمار مختلف المناسبات لجمع شمل العائلة وتوطيد العلاقات الأخوية بينهم، ولكن لم يخطر ببالنا أن اللقاء لا يدوم، فكانت الوعكة الصحية زائر لم يضرب له ميعاد؛ جاءت فجأة لتكدر خاطر من حوله وحملت في طياتها الألم والحزن، ورغم المعاناة مع المرض كانت الابتسامة تعلو محياه، كان صابرا ومحتسبا الأجر والثواب من الله. وهنا شاءت إرادة الله ولا راد لقضائه والقدر بخيره وشره سيّد الموقف، وليس بيدنا حيلة أمام مشيئة الله إلا القبول والرضا واحتساب الأجر. ففي يوم الجمعة 15 ذي الحجة 1445ه ووري الثرى جسد ابن العم الغالي محمد الهديان -يرحمه الله- ولم يكن فقيد ذريته فحسب، بل بكاه الكثيرون ودمعت العين لفراقه وما يزال القلب يئن حزنا على فقده، بل إنها -رحمه الله- أن نفقدهم بالموت ولا نفقدهم وهم أحياء. هكذا هم الطيبون يرحلون سريعاً تاركين خلفهم السيرة العطرة والذكر الطيب ومازالت المواساة لنا -بإذن الله- أن هناك جنة عرضها السموات والأرض حيث يتجدد اللقاء بهم، دعواتكم له بالرحمة والمغفرة والثبات ورحم الله صاحب الوجه البشوش والروح الطيبة، وتظل الدنيا لقاءٌ عابر والملتقى الجنة بإذن الله. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون. د. ماجد بن عبدالله الهديان