لا شك في أن الشريعة الإسلامية سعت إلى ترسيخ قيم ومفاهيم أخلاقية وإنسانية سبقت بها الشرائع الإنسانية اللاحقة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثتُ لأتمّم مكارمَ الأخلاق) تأكيدٌ على أن المبادئ الإنسانية والقيم النبيلة هي في وجدان العرب قبل الإسلام وبعده. وقد خُلدت قصص وأشعار في هذا الجانب لا حصرَ لها، ومن ذلك قول البحتري في نبذ العنصرية والتفرق: ولا تقل: أممٌ شتّى ولا فِرقٌ فالأرضُ من تُربةٍ والناسُ من رجلِ وقد أبدع فيلسوف الشعراء المعرّي في دحر الأنانية والدعوة إلى إشاعة الخير حينما قال: ولو أني حُبِيتُ الخُلد فرداً لمَا أحببتُ في الخلد انفرادا فلا هطلتْ عليّ ولا بأرضي سحائبُ ليس تَنتظمُ البلادا وفي تأكيد على الحكمة القائلة: (الشيء من معدنه لا يُستغرب) فإنك تُعجَب بإنسانية ملوكنا ومع ذلك فإنك لا تستغربها نظراً لأن هؤلاء الملوك ليسوا إلا امتداداً لأسرةٍ تجري في عروقها دماءُ الأصالة العربية والنخوة الإسلامية وتضرب جذورها في أعماق الفروسية والنبل. فقد روي عن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بأنه في ذات مرة قابل جمّالاً وأعطاه صرة مال وانصرف فذكّره السائق أن الصرة بها ذهب وليس فضه فأمره بالرجوع إلى الجمّال، فاعتقد السائق أنه يريد استبدال الذهب بالفضة ولكن نبه الجمال بأن الصرة بها ذهباً حتى لا يخدعه أحد لعدم معرفته بذلك وقال لسائقه: أعطاه الله وليس أنا. وقد انتقلت هذه الصفات الإنسانية من الملك المؤسس إلى سلالته الكريمة وخلدتها قصص ومواقف لا حصر لها، فقد أرسل الملك سعود -رحمه الله- لمسؤولي المالية في وادي الدواسر عام 1367ه يوجههم فيها إلى تفقد أحوال امرأة ضعيفة كاتباً لهم: (...لا يلحقها عراء ولا جوع.. وعرفونا وحنا نعتقد إن شاء الله أنكم ما تغفلون عنها لأن مالها أحد.. ولا يصير عليها قاصر واحرصوا على ذلك غاية ما يصير). أما عن الملك فيصل -رحمه الله- فقد أورد المستشرق النمساوي المسلم ليوبولدفيس موقفاً له مع الفيصل حينما كان في مكتبة المسجد الحرام بمكة، فدخل الأمير فيصل المكتبة، فنهض ليحييه فصافحه الأمير، وقال محمد أسد: "وعندما انحنيت له، رفع رأسي برفق بأصابعه، وابتسم قائلاً: "نحن معشر النجديين، لا نؤمن بأن على الإنسان أن ينحني للإنسان، بل ينحني لله وحده، في الصلاة". وعن القصص والمواقف الإنسانية للملك خالد -رحمه الله- نقف أمام عبارةٍ خالدة قالها تختصر جميع مواقفه النبيلة وسمو نفسه، وذلك حينما قال: "اهتموا بالضعفاء، أما الأقوياء، فهم قادرون على الاهتمام بأنفسهم." وتكفينا عن الملك فهد -رحمه الله- مقولته الخالدة بعد الغزو العراقي للكويت الشقيقة: "الحياة والموت واحد بيننا، بعد ما احتلت الكويت، وبعد ما شاهدت بعيني ماذا جرى للشعب الكويتي، ما في كويت وما في سعودية، في بلد واحد، يا نعيش سوا يا ننتهي سوا، وهذا القرار الذي اتخذته لا يوجد أي سعودي إلا واتفق معي على نفس القرار، يا تبدأ الكويت والسعودية، يا تنتهي الكويت والسعودية". وفي منتصف رمضان لعام 1423ه بث التلفاز السعودي مشاهدَ من تفقد الأمير عبدالله آنذاك -رحمه الله- للفقراء أثناء زيارته للأحياء الفقيرة في العاصمة الرياض، وقد شاهد الجميع كيف تأثر جلالته وأعلن إطلاق استراتيجية وطنية لمواجهة الفقر. ولسلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- من المواقف والقصص الإنسانية ما شهد به القريب والبعيد، وإذا كان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية هو واقع نشهده اليوم؛ فإن مواقف الملك سلمان الإنسانية الحالية ما هي إلا امتداد لتاريخ من النبل والإحسان. فقد أعلن الملك سلمان 1385ه ما نصه: يعلن أمير منطقة الرياض أن شكاوى المستأجرين عمومًا قد كثرت بسبب لجوء بعض المؤجرين إلى قطع التيار الكهربائي أو الماء عن المستأجرين.. وبما أن لهذا التصرف خطورته، ولما للماء والكهرباء من أهمية في حياة الأفراد والأسر اليومية، فإننا نخطر كل مالك مؤجر بعدم الإقدام على مثل هذا التصرف بتاتًا...". وختاماً.. دائماً ما تحضرني عندما أستذكر مناقب ملوكنا أبياتُ الإمام الشافعي -رحمه الله- حينما قال: وأفضل الناس ما بين الورى رجلٌ تُقضَى على يده للناس حاجاتُ قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ