لن أتحدث في هذه العجالة عن نجاح حج هذا العام ويكفي إشادة الحجاج أنفسهم فهناك الكثير من الأصوات التي أكدت على جهود المملكة وعلى التنظيم الكبير لإدارة مثل هذه التظاهرة العالمية، بغية تيسير هذه الفريضة على الحاج بكل روحانية وطمأنينة؛ فالحج كفريضة من أهدافه السامية تهذب الإنسان، وكذا يهدف إلى تنمية القيم الإنسانية في مختلف شؤون الحياة وتبايناها المختلفة التي تعد مدعاة للتأمل. وعلى امتداد حياة هذه البشرية التي تتباين في أمور لايجب أن نغفلها لكنها منتفية عند الله، عند ذلك تتجلى الشخصية الإسلامية التي لا تتكئ على جاه موروث ولا مال مكتسب والشخصية الإنسانية التي تضع الجميع على قدم المساواة لا فرق إلا بالتقوى، ولهذا سوف أتحدث عن مثالية الحج باعتباره يوما عالميا تفد إليه جموع المسلمين من كل فج عميق متجردة من حطام الدنيا وتنتفي فيه الفوارق وتتوحد به الأصوات والأهداف والغايات، في يوم الحج الأكبر الذي تطمس فيه كل السلبيات والنوازع الشيطانية ويجب أن يتجرد الإنسان من أطماع الدنيا وملذاتها ويتسامى بذاته إلى ما عند الله، فالحج هو المحطة الروحية التي يجب على الإنسان أن يستعيد فيها كل المعاني السامية ومن خلال الحج يرتد على أثر الرجع الأول (كلكم لأدم) حينما يقف الناس على واحديه الأصل ومن ثم إعادة بناء الإنسان على أساس من الوعي والحكمة فالحج هو الاستثمار مع الله، الاستثمار الراشد والإيجابي نحو الإنسانية وهذا الوجود. وبالتالي التفاعل الايجابي للإسهام بالقيم الإنسانية لتكون قاعدة ارتكاز في منظومة التعاملات بين الناس لأن الحج يتجاوز بك إلى مراحل لاسيما من يتعامل معه ببعد نظر وعمق وحكمة، ولهذا جاء خطاب السماء متوازن مع القدرة على اختلاف أوجهها سوا كانت من الناحية المادية أو الجسدية لخلق القيمة الحقيقية للحج المثالي ثم يضع صوت الحق الضوابط التي تؤكد على أن الحج بالضرورة يكون مثاليا فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. ثم قال: "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" ما يعني بالضرورة أن كل يعمله الحاج مندرج في إطار الخير لا يتجاوز إلى غيره. لاحظ كيف تتجلى المثالية؛ حدد الاستطاعة، واشترط سمت الشخصية الإنسان الملائكي بحيث تكون شخصية الحاج بعيدة عن اللغط وقبح الكلام أو التدافع نحو الشعارات الدنيوية التي تتنافي مع سمو ومثالية الحج ولهذا تجتمع الناس في الحج في إطار العلاقة مع المشاق لتصل للمعاني السامية العُليا التي ترجوها من الله. فإذا افتقد الإنسان المعاني السامية من الحج افتقد كل مثالية الحج وسقط في وهدة الإثم وعظم الذنوب. أخيرا أجزم أن الحج هو الملتقى المثالي الذي تجتمع فيه الأمة على صعيد واحد لتحمل من خلاله مضامين ريادية تؤثر بالعطاء والخير والمحبة والسلام نحو الإنسانية وعالم هذا الوجود.. وإلى لقاء عوضة بن علي الدوسي