إن اللعب مدخل أساسي لنمو الطفل عقلياً ومعرفياً وليس لنموه اجتماعياً وانفعالياً فقط، ففي اللعب يبدأ الطفل بمعرفة الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها ويعمم فيما بينها على أساس لغوي، وهنا يؤدي نشاط اللعب دوراً كبيراً في النمو اللغوي للطفل وفي تكوين مهارات الاتصال لديه... عندما يشتد نشاط أطفالنا ويمرحون هنا وهناك، نشعر بالضجر، ونفرح كثيراً عندما يركنون إلى الراحة والهدأة. وذلك لاختلاف نسبة الطاقة وحركتها السيكولوجية والبيولوجية بين تكويننا ككبار بالغين، وبين طبيعة جسم وتكوين الأطفال واختلاف الإيقاعين بينهما. ومن هنا لا بد أن ندرك أهمية اللعب عند الأطفال وما دوره في البناء التكويني لدى شخصية الطفل ومرجعيته الذهنية وتوسيع مداركه سواء على المستوى الجسماني أو على المستوى الذهني. وقد نتساءل حول ظاهرة اللعب، فهل هي فطرية أم مكتسبة أم هي خاصة بالأطفال، أم هي للكبار والصغار على حد سواء؟ والحقيقة أنه قد ثبت لدى الباحثين والفلاسفة أن اللعب هو نشاط إنساني وهو أيضا نشاط لكل الحيوانات، وأيضا نشاط للكبار وأيضا للصغار! ومن هنا تثبت لنا أهمية هذا النشاط كونه فطري من الدرجة الأولى ولهذا أهمية كبرى! والثانية كونه يعم كل المخلوقات وهذه أهمية أخرى شديدة الغرابة.! ومن هنا اهتم الباحثون والمنظرون بأهمية اللعب في حياة البشرية بكل مراحلها العمرية، ومدى تأثيره على البعد السيكولوجي! فيقول هربرت سبنسر: إن اللعب هو منفذ وخروج للطاقة الزائدة فيكون نتيجة لتخفيف التوتر. ويقول كارل غروس: أعتقد أن اللعب هو شكل من التحضير للحياة في سن الرشد. أما ستانلي هول فيقول: أعتقد أنه خلال حياة المرء يحدث تطور في حياته تبعا لسلم التطور كما تتطور معها كل الأساليب والطرق عند كل درجة من درجات التطور. أما كاثرين كارفي فقد وضعت عدة بنود لتضع وتوضح خصائص اللعب بقولها: "1- إن اللعب بشكل أساسي ممتع. 2- إن اللعب هو نشاط يقدم في ذاته ويكافئ نفسه. 3- اللعب تلقائي وعفوي. 4- يتطلب اللعب مشاركة فعالة من اللاعب. 5- يختلف اللعب عن الحياة الحقيقية الفعلية ولا يعني هذا أن قيمته تجرى من خلال قيمته الظاهرية" ويقول أغلب الباحثين: "إن كل من هذه التعريفات غير كافية ومقنعة ويعود ذلك ربما إلى أن اللعب قد يشمل مدى أوسع من النشاطات سواء من هز الخشخشة إلى ارتداء ثياب الأم القديمة أو بناء نموذج أو شكل ما. وقد قمنا كتذكير بهذه الأهمية إلى محاولة تعريف الذكاء. وعلى كل حال، إن العجز في إيجاد تعريف واضح وشامل عن جانب معين من جوانب السلوك لا يدل بالضرورة إلى عدم أهميته أو إلى أنه غير جدير بالبحث". وما يهمنا في هذا المجال هو اللعب وأهميته عند الأطفال لما في ذلك من أمور تتعلق ببناء الشخصية وأيضا في النمو البدني والذهني أيضا، ولما في ذلك من أهمية يجب أن يدركها الآباء والأمهات. فللعب أهمية كبرى في تكوين أطفالنا فهو وقود لتلك الطاقة الهائلة التي تعمل على نمو الطفل ونمو إدراكه، بخلاف الكبار؛ فهو هنا يفرغ الطاقة الزائدة عند الأخير. نحن نعامل أطفالنا بشيء من الأنانية والاستعلاء، ونذهب به إلى أماكن اللعب ونحن ننتظر بشوق متى سينتهون، وكان بالأحرى والأجدى أن نلعب معهم لكي نشعر ونشعرهم باللذة والمتعة؛ وذلك لو أدركنا مدى أهمية اللعب عند الطفل كأهميته بالنسبة لنا أيضاً! فيقول جل الباحثين: إن اللعب عند الطفل لم ينل ما يستحقه من الدراسات الجادة والبحث العلمي الدقيق" حتى نصل إلى ثقافة عامة لدى الآباء والأمهات؛ فأهم ما يكسبه هذا النشاط الإنساني الفطري في مرحلة الطفولة هو أن الطفل يتعلم عن طريقة اللعب الجمعي الضبط الذاتي، والتنظيم الذاتي تمشياً مع الجماعة، وتنسيقاً لسلوكه مع الأدوار المتبادلة فيها وأيضاً نوسع المتخيلة عند الطفل، فيكون مبدعا في المستقبل. فالإبداع لا يأتي إلا من منطقة المتخيلة والتي أسماها ابن سينا الحافظة. إن اللعب مدخل أساسي لنمو الطفل عقلياً ومعرفياً وليس لنموه اجتماعياً وانفعالياً فقط، ففي اللعب يبدأ الطفل بمعرفة الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها ويعمم فيما بينها على أساس لغوي، وهنا يؤدي نشاط اللعب دوراً كبيراً في النمو اللغوي للطفل وفي تكوين مهارات الاتصال لديه". ومن هنا نجد ذلك التقصير الكبير لدى الآباء والأمهات، ولدى مؤسسات التعليم أيضا وهو كيف نوفر اللعب لديهم وأهم من ذلك كيف نجعل اللعب متعة، فالإبداع لا يأتي إلا عن طريق المتعة، فكيف نصنع جيلا مبدعا متسقا عطاء؟!