شكلت أخبار الحاج جانبا هاما في المصادر التاريخية حيث حرصت السلطات على أن يكون ذلك دليلا على تمام الحج. ومن بين من كان يقوم بهذه المهمة من عرف بسابق الحاج والبشير والمبشر والنجاب وحامل الخريطة. ولم يكن ينتظر ليتم حجه وإنما يخرج من مكة متجها إلى المدينة النبوية في زمن الخلافة الراشدة ثم إلى دمشق زمن الأمويين وبغداد في عصر العباسيين إلى القاهرة زمن الفاطميين العبييدين. ومن الأسباب التي دعت إلى ذلك ما ورد عن حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن خروج الدابة من جبل أجياد وقيل من عند الصفا في رواية أخرى وذلك في أيام التشريق والحاج بمني ولذا كان خروج سابق الحاج لكي يطمئن بسلامة الناس .(الخطيب البغدادي في كتابه تالي التلخيص ) أما في رواية السنهوري فإن خروج الدابة حين يسري الإمام من جمع وجعل سابق الحاج ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج. (تيسير الملك الجليل ) وفي زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان خروجه من مني ثم أصبح يخرج من مكة بعد ذلك في أيام العيد. يروي أبو هريرة -رضي الله عنه- أن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قد سبق بالخيرات وان ذكوان مولي مروان قد سبق الحاج وانه أخبر الناس بسلامتهم . وأنشد يقول انا الذي كلفتها سير ليلة من اهل مني نصا الي اهل يثرب ونسب إلى عمر رضي الله عنه قوله "اذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره ان يستغفر لك قبل أن يدخل بيته فإنه مغفور له " ونجد من الأبواب في كتب الأحاديث باب البشير بخبر الحاج وما جاء في ملاقاة الحاج والسلام عليه ومصافحته وفيمن يستغفر له الحاج" (البوصيري، اتحاف الخيرة) أما ما ورد عن حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن اسيفع جهينة والذي اعتقد البعض أنه يقصد به سابق الحاج فهو غير صحيح لأنه -رضي الله عنه- كان يقصد ذلك الشخص الذي كان يشتري السواحل بثمن غال لكي سابق الحاج مما أدى إلى تعسره في دفع ما عليه مما إلى عجزه عن دفع ما عليه فطلب عمر أن يأتي من له عليه دين لكي يسدده له ونهي -رضي الله عنه- فعل ذلك الأمر. ومن الحوادث التي ورد فيها ذكر سابق الحاج ما حدث في أثناء فتنة عثمان -رضي الله عنه- يروي ابن كثير أن الحصار استمر في الديار المصرية حتى مضت أيام التشريق. وفي عصر الدولة الأموية كان يتم اختيار أمير الموسم وهي الأيام من السابع حتي الثالث عشر من ذي الحجة وذلك إذا لم يحج الخليفة ويتم إرسال كتاب بذلك لمن يتم اختياره مع نواب أو مع البريد والذي أصبح أحد الركائز التي اعتمدت عليه السلطات الأموية في تتبع الأخبار. كما ورد أيضا أن المنادي كان يستخدم في أثناء الموسم كما ورد لدي ابن حجر في الطبقات بالا يفتي أحد في الحج إلا عطاء بن رباح. كما ذكر جابر بن زيد الملقب بابي الشعراء أن سابق الحج يسير إحدى عشر أو اثني عشر يريد من ذي الحجة ليصل قبل عودة الحاج. أما في العصر العباسي فقد استمر اعتماد الخلفاء على البريد في نقل الأخبار وخاصة مع حج كثير من الخلفاء العباسيين وضرورة تأمين طريق الحج وعرفت وظيفة وإلى الموسم والطريق وذلك لنقل الأخبار أولا بأول. وخصص للحرمين صاحب بريد يتولي ذلك. وورد أن المأمون كان يستخدم سابق للحاج ويكلف بنقل أخبار الموسم وتمامه قبل عودة الحاج. وفي إحدى المرات تأخر ذلك الشخص ولما أرسل رقعة يطلب فيها ما يحصل عليه وكتب سابق الحاج فردها المأمون ووضع نقطة فأصبحت سايق الحاج ولم يصرف له ما طلبه لوصوله متأخرا. ونمت عام 247 هج أمر الخليفة المتوكل بإرسال خريطة صفراء إلى مكة يتم تحديد رؤية الهلال بعد أن عاد محمد بن عبدالله بن طاهر واشتكي مما حدث من خلاف بسبب تحديد يوم عرفة. وأصبح يسار بالخريطة وفيها خبى الموسم. وأصبح يشار إلى رجل يسمي الخلنجي يقوم بحمل الخريطة ويسبق الركب قبل عودته إلى بغداد. ولم يعد فقط مهمته حمل خبر تمام الموسم وإنما أخبار الحاج وما يحدث لهم في طريق ذهابهم أو في أثناء الحج وخاصة مع تكرار حوادث الاعتداء كما حدث في سنوات 312 ، 331 هج. واستمر ديوان الخرائط في عمله ووجدنا ما يسمي بالخريطة البندارية والتي تمثل البريد السريع (الطبري ،تاريخ). وفي حال تعرض حامل الخريطة لأي معوقات كان يتم معاقبة من يقوم بذلك كما حدث مع العلوي الذي يعرف بالحرون حيث تم القبض عليه وإرساله إلى الخليفة الموفق. وفي عصر الفاطميين العبيديين شكل الاهتمام بأمر الحج وتمامه أمرا اساسيا لدب الخلفاء . وكان يتم المناداة لخروج قافلة الحج في منتصف رجب ويكرر النداء في رمضان بأن موسم الحج قد حل وأنه سيجهز ركب السلطان كالمعتاد وسيكون معه الجنود والخيل والجمال والزاد. وتم المناداة في الجامع العتيق أن الحج في البر عام 365 هج. وورد سابق الحاج في العام التالي بإقامة الدعوة بمكة وفي يوم عرفة للمليحة المعز، كما وصلت أنباء نصب الكسوة. ومن الأمور التي كانت تتم مع سابق الحاج أنه يتم الخلع عليه والطواف به في القاهرة لتبشير الناس. وتكرر ذلك في أعوام 381، 383 386 ،387 هج .ولم يقتصر ذلك علي القاهرة بل كان هناك سابق للحاج يصل إلى دمشق أيضا وبشارته بأخبار ركب الحاج الشامي أيضا. كما حمل أيضا أخبارا أخرى عند وفاة أحد الشخصيات الهامة مثل ابو علي الصقلي الذي مات في عام 392 هج .(ابن عساكر ،تاريخ دمشق) وفي العصر المملوكي عرف صاحب هذه الوظيفة بمبشر الحاج من عرفات وصار له راتب معلوم يأخذه من صاحب ينبع وتوجد دراسة مستفيضة للشويعر عن ذلك. استمر دور مبشر الحاج في العصر العثماني ويطلق الجبرتي عليه نجاب جبل عرفات وكان يحصل على معلومة من أمير ينبع حتي عام 960 هج وبعدها أخذه من الخزينة المصرية. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين عرف بجاويش الحاج واستمر يقوم بنفس الدور للإشارة بتمام الحج وحمل الاخبار الي القاهرة ومنها ترسل إلى الاستانة.وفي العهد السعودي منذ أن دخل الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- الحجاز كان من أهم أولوياته الاهتمام بالحج وتيسير ذلك على الحجاج خاصة بعد الدعاية التي هدفت الي تشويه صورته وأن موسم الحج لن يتم. فقام بإصلاحات سريعة في الحرم الشريف كما أرسل نداء إلى المسلمين عبر الصحف في البلاد الإسلامية وذلك في شعبان 1344 هج للترحيب بالحجاج وحدد المؤاتي المفتوحة لاستقبالهم بدلا من جدة المحاصرة في ذلك الوقت. كما خاطب المسلمين الهنود لتشجيعهم على الحج وأن الطريق آمن وأمور الحج ميسرة. وتم متابعة السفارات والقنصليات السعودية لاستخراج التصاريح بسرعة ويسر. ومن أهم الوسائل التي قام بها أيضا التبشير بنجاح موسم الحج ومخاطبة الملوك والحكام في العالم الإسلامي عبر الخطابات والمبعوثين لطمئنتهم استقباله بنفسه رؤساء الوفود وتوضيح الصورة لعم عن قرب. وأنشأ مكتب الحج للدعاية والنشر لتوضيح كل ما يتعلق بأمور الحج وذلك لعدم ترك الفرصة لاعدائه. ولم يهمل أيضا طمأنة أهل بيته بنجاح الحج ومنها خطابه إلى أخته الأميرة حصة بنت عبدالرحمن أل سعود مبشرا لها بتمام الحج وخلوه من المشاكل والأمراض.( العنقرى، دراسات وثائقية نماذج من عناية الملك عبدالعزيز بالحج)ونختم بشهادة شكيب أرسلان الذي حج في عام 1348 هج واصفا الأمن الذي انتشر منذ دخول الملك الحجاز وسرد قصة عبائته التي فقدها في طريق مكةالطائف وفوجئ بإعادتها له ولم يجرؤ أحد على أخذها. وغلق على ذلك بق له، جعل الخلق يذهبون ويجيبون في هاتيك الصحاري وقد يكون معهم الذهب الرنان وهم بلا سلاح ولا سنان فلا نريد من هذه الجهة مزيدا وإنما نرجو لهذه النعمة الدوام فلا عمران للبلاد إلا بالأمان والاطمئنان. (الابتسامات اللطافة) واستمر حكام الدولة السعودية في السير على نهج المؤسس في التبشير بنجاح الحج وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة في عصرنا الحالي وطمئنة أهالي الحجاج علي ذويهم . حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين وجعلها آمنا وأمانا في ظل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والقائمين على أمور الحج. قسم التاريخ كلية الآداب جامعة الأسكندرية