منذ أن نجح الملك عبدالعزيز في ضم الحجاز وإصداره ما يتعلق بتنظيم أمور الحج والعمرة في تلك المجموعة من الوثائق التي حررها منذ أول بلاغ له إلى المسلمين في كافة أنحاء الأرض بأن الحج آمن وذلك في ذي الحجة 1343ه. استقر أمر تحديد رؤية هلال ذي الحجة وما يتبعه من تحديد يوم عرفة إلى المملكة العربية السعودية والذي تم تنظيمه وفقًا لما يقتضيه الشرع من شروط الرؤيا، وأنهى بذلك مرحلة من الخلاف حول تحديد بداية ذي الحجة تكررت عبر القرون الماضية وذلك منذ العام 40ه؛ حيث كان أول خلاف حول تحديد الوقوف بعرفة. والأصل تحديد وقفة عرفة كما جاء في الموطأ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: يا أهل مكة، ما شأن الناس يأتون شعثًا وأنتم مدهنون؟ أهلوا إذا رأيتم الهلال. كما ورد أيضًا أن عبدالله بن الزبير أقام بمكة تسع سنين وهو يهل بالحج لهلال ذي الحجة، وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك. غير أن خضوع مكة لسيطرة العباسيين ترتب على ركب الحج العراقي صار هو المتحكم في تحديد بداية شهر ذي الحجة خاصة عند وجود خلاف، ويتم إرسال ما يعرف بالخريطة مع المبشر لتحديد يوم عرفة والذي يتم استطلاع رؤية هلال ذي الحجة في طريق أمير الركب، ويقدم ابن جبير وصفًا مفصلًا لما حدث من خلاف حول تحديد بداية الشهر وموقف قاضي مكة من الشهادات التي وصلته من المغاربة وأعيان المصريين وكذلك من اليمنيين والقادمين من المدينة حتى وصل المبشر من قبل أمير ركب الحج العراقي، فاستقر الأمر على تحديد بداية الشهر وأن عرفة كان يوم الجمعة، ويعلق ابن جبير على ذلك بقوله: "كان عندهم إذا لم تكن الوقفة الجمعة ليست الحجة مقبولة، ولا الرحمة من الله موجودة ومأمولة". أما في العصر المملوكي فقد صار لركب الحج المصري الصدارة في ركب الحج الأخرى. كما كان للمذاهب الفقهية الأربعة أثرها في الاختلاف حول تحديد بداية الشهر ومن ثم يوم عرفة، إضافة إلى حرص المغاربة على أن تكون الوقفة يوم الجمعة، وتكرر ذلك الخلاف في نحو عشرين عامًا انتهى الباحث من تناولها في بحث مستقل. ومما لا شك فيه فإن الله سبحانه وتعالى أنعم على بلده الحرام ومدينة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن وفر لها الأمن والاستقرار ويسر لجموع المسلمين الحج والعمرة بعيدًا عن الخلافات المذهبية والمنازعات السياسية وهو ما أعلنه الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - في مراسلاته لملوك المسلمين والجمعيات والهيئات الدينية في 10 ربيع الآخر 1343ه، وما تبع ذلك أيضًا إلى أهل الحجاز، وسار على نهجه ملوك الدولة السعودية مقتفين خطى والدهم حتى شهدنا ما صار إليه أمر البيت الحرام ومدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين.