تصاعدت وتيرة الحرب التجارية التي تشنها أميركا وأوروبا على قطاع السيارات الكهربائية في الصين، وأحدث هذه التحركات، إعلان المفوضية الأوروبية، الأربعاء، عن فرض تعريفات جمركية بحوالي 38% على واردات السيارات الكهربائية الصينية، بعد أن توصل تحقيقها إلى أن المنتجين الصينيين استفادوا من "الإعانات غير العادلة"، وتنضم هذه الرسوم الأوروبية، إلى أخرى أميركية، بنحو 100%، في المقابل، تصر الصين على أن هذه المخاوف الغربية "لا أساس لها من الصحة"، وردت وزارة التجارة الصينية على إعلان الاتحاد الأوروبي بأن الرسوم الجمركية "مرتفعة بشكل مفرط وتفتقر إلى أساس واقعي وقانوني"، أما على أرض الواقع، فإن شركات السيارات الكهربائية الصينية تشعر بقلق بالغ، وبعضها يفكر بالانتقال للعمل بالخارج، أو خفض النفقات وشطب الوظائف، وبعضها يواجه شبح الإفلاس. من المتوقع أن تصل إيرادات سوق السيارات الكهربائية في الصين إلى مبلغ مذهل قدره 319 مليار دولار في عام 2024، مع معدل نمو سنوي ثابت قدره 5.6%، مما يؤدي إلى وصول القيمة السوقية للقطاع إلى 398 مليار دولار في 2030، وتصنع الشركات الصينية علامات تجارية أوروبية مشهورة، وعلى سبيل المثال تسيطر شركة جيلي على أغلبية شركة فولفو، بينما تمتلك شركة SAIC العلامة التجارية البريطانية الشهيرة MG، ولدى مجموعة فولكس فاجن، التي تشترك في مظلة شركة مع بورش، أيضًا مشروعًا مشتركًا مع شريك صيني لتصنيع السيارات الكهربائية، وبالرغم من وجود مفاوضات راهنة بين الاتحاد الأوروبي والسلطات الصينية لمحاولة حل المشكلة بما يتماشى مع قواعد منظمة التجارة العالمية، إلا أنه نظراً لأهمية قطاع السيارات في أوروبا، فإنه من المستبعد التوصل إلى اتفاق يغير بشكل ملموس الحقائق على الأرض التي أدت إلى هذه القضية وقادتها، فالأوروبيون ليسوا على استعداد للسماح باستمرار التشوهات الناجمة عن الدعم الذي تقدمه الصين لهذه الشركات بلا هوادة. وضمن الجهود الغربية المساندة للرسوم المشددة، طلبت شركة تسلا من الموردين البدء في بناء المكونات والأجزاء خارج كل من الصين وتايوان بحلول وقت مبكر من العام المقبل بسبب تزايد عدم اليقين الجيوسياسي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وتهدف هذه الخطوة إلى بناء مصادر إمداد بديلة للأسواق غير الصينية لمنع اضطرابات سلسلة التوريد، وقد أدى ظهور المركبات الكهربائية ذات التقنية العالية إلى وضع سلاسل التوريد هذه في مرمى النيران السياسية، ويُنظر إلى الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات الكهربائية على أنها رمزية إلى حد كبير، حيث لا يبيع أي من اللاعبين الرئيسين في الصين سياراتهم في السوق الأمريكية. ومع ذلك، تعد أوروبا سوقًا متنامية للسيارات الكهربائية الصينية، وارتفعت الواردات الأوروبية من السيارات الكهربائية من الصين إلى 11.5 مليار دولار في عام 2023 من 1.6 مليار دولار في عام 2020، وشكلت السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين من قبل العلامات التجارية الصينية وغير الصينية ما يقرب من 20% من إجمالي المبيعات بالاتحاد الأوروبي في العام الماضي، وخلال الفترة الماضية تزايدت الحواجز ضد الصين في السوق الدولية، حيث أعلنت تركيا هي الأخرى عن تعريفة إضافية بنسبة 40% على المركبات المستوردة من الصين، اعتبارًا من يوليو، وستقلل هذه الحواجز من أرباح الشركات الصينية إلى حد كبير، ومن المرجح أن يكون الانتقام الصيني محدوداً، حيث تحتاج بكين إلى علاقات تجارية سلسة مع الاتحاد الأوروبي، نظراً لاعتمادها المستمر على التجارة من أجل انتعاشها الاقتصادي والمشاكل الخطيرة التي تواجهها مع سوقها الرئيسة الأخرى في الولاياتالمتحدة. وتخشى الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أن تنتهك بكين قواعد التجارة العالمية وتغرق أسواقها بالصادرات الرخيصة المدعومة من الحكومة الصينية، خاصة في ظل عدم رغبة المستهلكين الصينيين أو عدم قدرتهم على شراء كل السلع التي ينتجها القطاع الصناعي في بلادهم، وتضم الصين الآن ما لا يقل عن 77 شركة تصنيع سيارات و129 علامة تجارية للسيارات، وهو عدد كبير للغاية، حتى بالنسبة لأكبر سوق للسيارات في العالم، ومع انخفاض معدلات استخدام القدرات إلى مستويات لم نشهدها منذ ذروة جائحة 2020، فإن الطريقة التي تواجه بها الصين وشركاتها هذا التحدي يمكن أن تؤثر على مصير الاقتصاد المحلي والعلاقات الدولية الهشة. يدرك المسؤولون الصينيون أن بلادهم تسير على خط رفيع في علاقاتها التجارية مع الغرب عموماً، ولهذا، عقد نائب وزير التجارة الصيني في مايو، اجتماعاً مع خبراء في شنغهاي وسألهم عن كيفية التعامل مع شكاوى الغرب من الطاقة الفائضة، وقال الخبراء في الاجتماع إنهم يعتقدون أن القضية الأساسية في هذا الادعاء هي ما إذا كانت الكمية الكبيرة من المنتجات المباعة في هذه الأسواق تعتمد على الدعم، ويتم إنتاج معظم السيارات الكهربائية الصينية في منشآت جديدة مؤهلة مثل تلك التي تنتجها شركة LiAuto، للحصول على إعانات مالية وائتمان رخيص من البنوك التي تديرها الدولة، وإلى جانب شرارة الابتكار من بعض المنافسين، ساعدت الامتيازات في تعزيز نمو الصناعة مع خلق عدد غير مستدام من اللاعبين في بلد يعاني من أزمة عقارية أدت إلى استنفاد ثقة المستهلكين. بسبب الحوافز والإعانات الحكومية، دخلت العديد من الشركات الصينية قطاع تكنولوجيا الطاقة الخضراء، على الرغم من افتقارها إلى المؤهلات المطلوبة، ولولا مثل هذا الدعم، لكان جزء كبير من هذه الشركات قد واجه انهيارا مالياً في وقت أبكر بكثير، وتظهر البيانات الرسمية أن معدل استغلال القدرة في مصانع السيارات انخفض إلى 64.8% في الربع الأول من هذا العام، وقد استجابت شركة Li Auto للسيارات الكهربائية بخفض هدف مبيعاتها للعام بأكمله إلى 640 ألف سيارة، انخفاضًا من 800 ألف سيارة، وبدأت أيضًا بتسريح العمال في شهر مايو، حيث استغنت عن نصف الموظفين في العلاقات الحكومية ووحدات القيادة الذاتية، وقامت الشركة بتسريح 18% من إجمالي قوتها العاملة. ومع ذلك، فإن الحكومة الصينية وشركات السيارات الكهربائية ستكرهان تقليص الحجم، مما ينذر بصدام أكثر حدة مع الغرب، الذي يرى أن صناعاته الأساسية، وخاصة السيارات، معرضة للخطر، ومن المرجح أن تعمل الشركات الصينية على خفض الأسعار بشكل استباقي وطرح منتجاتها في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث لا تستطيع الدول النامية استيعاب مثل هذه الطاقة الإنتاجية الكبيرة بسبب قوتها الشرائية المحدودة، لذا يتعين على الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي الاستعداد للصدمة مقدماً، والغرب يفعل ذلك بالضبط، من خلال التعريفات والتحقيقات، ففي ألمانيا أواخر الشهر الماضي، حثت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أوروبا على العمل مع الولاياتالمتحدة لمواجهة المشكلة، وقالت: "إذا لم نرد بشكل استراتيجي وبطريقة موحدة، فإن بقاء الشركات في بلدينا وفي جميع أنحاء العالم قد يتعرض للخطر". وفقا لبيانات الجمعية الصينية لمصنعي السيارات، بلغت صادرات الصين من الثلاثي الجديد: السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية تريليون يوان (138 مليار دولار) في عام 2023، بزيادة 30% على أساس سنوي، وفي ظل الوضع الحالي، لا تزال الصين تصدر أقل من 15% من جميع السيارات الكهربائية المصنعة في البلاد، لكن النسبة المتزايدة للسيارات التي تشحنها إلى الخارج تثير مخاوف الغرب من طوفان قادم، فقد تجاوزت الصيناليابان كأكبر مصدر للسيارات في العالم في عام 2023، مدفوعة بالسيارات الكهربائية بالإضافة إلى الصادرات القوية إلى روسيا، التي استوردت أكثر من 900 ألف سيارة صينية مع خروج العلامات التجارية الغربية من موسكو بسبب غزو أوكرانيا. مع انخفاض هوامش الربح بسبب المنافسة الشرسة، وضعف الطلب المحلي وانخفاض قيمة اليوان مقابل الدولار، أصبح لدى الشركات الصينية حافز متزايد للتصدير، وفي حين أنه من غير المتوقع أن تقوم بكين بكبح الإنتاج بشكل فعال، إلا أن هناك بعض الأشياء التي قد تفعلها لتهدئة المنتقدين، فالصين يمكن أن تزيد وارداتها من السلع الأوروبية، مثل طائرات إيرباص، والحكومة يمكن أن تحث الشركات على تهدئة حروب الأسعار، ورغم أن بكين تفضل عادة أن تظل الشركات محلية من أجل دفع النمو وتشغيل العمالة، فإن السلطات قد تعمل بشكل أكثر نشاطا على تشجيع المصنعين الصينيين على بناء مصانع في الخارج. هناك مشكلة حقيقية وأزلية بخصوص الطاقة الفائضة لدى الصين، خاصة بين منتجي البطاريات منخفضة الجودة، وهذا القطاع كثيف الاستخدام للتكنولوجيا، ومع ذلك، هناك إجماع على أن اللاعبين الصغار يمكن أن يغلقوا أبوابهم بنهاية العام المقبل، وبالفعل، فإن بعض الشركات سوف تنهار حتماً، لأن الحكومات المحلية التي تعاني من ضائقة مالية لن تكون قادرة على دعمها، ومع ذلك، فإن التحدي الأساسي لا يتمثل في الطاقة الفائضة، بل في الإنفاق الاستهلاكي غير الكافي، وقد تؤدي مثل هذه الإغلاقات إلى تقليص بعض الإنتاج الصناعي، لكنها ستساهم في إثارة مشكلات أخرى لصانعي السياسات في بكين بينما يستعدون للجلسة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي في يوليو المقبل، والتي ستركز على تعميق الإصلاحات الاقتصادية، وقد طلب الرئيس الصيني شي من المسؤولين إعطاء الأولوية للعمالة عالية الجودة، وخاصة بالنسبة للشباب، ويوظف قطاع المركبات الكهربائية والصناعات ذات الصلة ملايين الصينيين. تقوم الشركات الصينية التي لديها الإمكانيات المادية للتوسع ولا تستطيع تحقيق مبيعات في الداخل، بإنشاء مصانع في الخارج من أجل البقاء في السوق، رافعة شعار: "اذهب إلى الخارج أو تفلس"، إلا أن هذا الأمر يؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين وتشغيل العمالة الكثيفة، كما أن السفر إلى الخارج ليس حلاً سحريًا أيضًا، فقد دفعت المبيعات المخيبة للآمال في أوروبا شركة جريت وول موتور الصينية إلى إغلاق مقرها الإقليمي في ميونيخ، في حين ألغت شركات تصنيع البطاريات أيضًا خططًا للتوسع في ألمانيا، وربما يكون المخرج في زيادة الاستهلاك المحلي من خلال زيادة دخل السكان، لكنها، ستكون على أي حال عملية طويلة ومؤلمة.