الحج من أعظم الشعائر التي يجتمع فيها المسلمون من جميع أنحاء العالم لأداء مناسك تعود جذورها إلى عهد النبي إبراهيم الخليل عليه السلام. هذه الفريضة السنوية لا تقتصر فقط على أداء الطقوس الدينية، بل تحمل معها تجارب إنسانية وثقافية قيمة، موثقة في كتب نادرة تُعبر عن تاريخ وعظمة هذا الركن من أركان الإسلام. وقد اهتم الكتّاب والمؤرخون بتوثيقها بشكل دقيق، مما أضاف إلى تراثنا الإسلامي كتباً نادرة تتناول تفاصيل هذه الرحلة الروحانية. من بين هذه الكتب، توجد نوادر قيمة توثق الحج في مختلف الأزمنة. ويمكننا القول إن هذه الكتب تعكس تجارب شخصية متنوعة ومؤثرة، حيث كتب العديد من الرحالة عن مغامراتهم وتحدياتهم أثناء تأديتهم مناسك الحج. كرحلة ابن بطوطة التي نشرت في كتابه "تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" حيث وثق تفاصيل رحلته إلى مكة عام 1325 ميلادية، والتي وجد ابن بطوطة خلالها نفسه محاطًا بحفاوة وكرم أهل مكة، حيث تجلت الأخوة في أبهى صورها، من موائد تفيض بالمأكل والمشرب، إلى قلوب تفيض بالمودة والإحسان. ولم يكن الضيافة وحدها ما أثار إعجابه، بل روعة الأناقة والنظافة التي يتحلى بها الأهالي، حتى لو كان ذلك على حساب الطعام نفسه، مما جعله يصفهم بأجمل العبارات ويخلد ذكراهم في كتابه الذي يعتبر من أشهر كتب الرحلات. وكتاب "رحلة ابن جبير" لأبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني الشاطبي الذي قدم وصفاً دقيقاً للحج في القرن الثاني عشر الميلادي. فتعد رحلته إلى مكة من أروع وأشهر رحلات الحج في التاريخ الإسلامي، حيث بدأ رحلته من غرناطة في عام 1183م، مستعرضاً مساره عبر البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالإسكندرية والقاهرة قبل أن يصل إلى مكة. وفي مكة، قدم ابن جبير وصفاً دقيقاً ومفصلاً لمناسك الحج والأماكن المقدسة مثل المسجد الحرام والكعبة المشرفة وجبل عرفات. كما تحدث عن اللقاءات التي أجراها مع الحجاج من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وذكر في كتابه وصفاً دقيقاً للكعبة المشرفة والحرم المكي الشريف وأبوابه التسعة عشرآنذاك. رحلة ابن جبير ليست مجرد توثيق جغرافي وديني، بل هي أيضاً نص أدبي يعبر عن التأملات الشخصية والملاحظات الثقافية التي اختبرها خلال رحلته. كتابه يوفر لنا نافذة فريدة على الحياة الاجتماعية والدينية في ذلك العصر. ومن الكتب المعاصرة، يأتينا كتاب "مشاهداتي في الحجاز" لعباس متولي حمادة والذي يقدم نظرة شخصية لتجربة المؤلف مع الحج. يأخذنا الكاتب في رحلة ممتعة لزيارة الحجاز عام 1355ه/1936م. يجسد الكتاب روعة المشاهد التي يمر بها الحاج، مما يضفي على القراءة جواً من الروحانية والتأمل. كتاب "رحلتي إلى الحجاز" يتناغم مع مثل هذه النوعية من كتب أدب الرحلات، ويتألف من 155 صفحة، بحجم متوسط. مؤلفه هو السيد محيي الدين رضا، الذي كان يعمل محررًا في جريدة المقطم المصرية. طبع في مطبعة المنار عام 1354ه/1936م. فهو يوثق وقائع رحلة قام بها المؤلف إلى الحجاز لأداء فريضة الحج في عام 1353ه/1935م. قبل نشر الكتاب، كانت هذه الرحلة قد نُشرت على شكل مقالات. وفي مقدمة الكتاب، يقول المؤلف: "هذه فصول كتبت بعضها في الصحف قبل الرحلة للحج والزيارة وتمنيت على الله أن يسهل لي وسائل الحج، فكان كرمه عظيماً بأن سهل لي الحج والزيارة، وكتبت بعضها في أثناء الرحلة، وبعضها بعد العودة، وكلها كتبت على الطريقة الصحفية من غير تعمق في البحث والدرس". ومن الكتب التي تقدم صوراً تاريخية نادرة عن الحج ووصفاً لمنطقة الحجاز، كتاب "رحلة الحجاز" لعبدالغني شهبندر، الذي نُشر عام 1356ه/1937م. يتألف الكتاب من 100 صفحة مليئة بالمعلومات القيمة عن الحج والحجاز خلال تلك الفترة، ويحتوي على إحدى عشرة صورة فوتوغرافية موزعة على إحدى عشرة صفحة من الكتاب. كانت محتوياته في الأصل عبارة عن مقالات صحفية نشرها المؤلف في مجلة الحكمة، ثم جمعها في شكل كتاب. كتب الرحلات وتوثيقات الحج مرآة تعكس عمق التجارب الإنسانية والثقافية التي يصادفها الحجاج عبر العصور. مثل هذه الأعمال الأدبية ليست فقط مصادر تاريخية، بل هي أيضاً نافذة إلى العوالم الروحية والثقافية التي تزخر بها رحلة الحج. تظل هذه الكتابات كنوزاً ثقافية تعزز من فهمنا وتقديرنا لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام.