مشكلة الحوادث المرورية من أهم الموضوعات التي تحظى باهتمام بالغ في مختلف دول العالم وخاصة بلادنا نظراً لما تتركه من آثار اجتماعية واقتصادية وأمنية، بالرغم من وجود برامج وحملات إعلامية توعوية متواصلة عبر مختلف وسائل الإعلام الساعية إلى ترسيخ الوعي المروري والذي يشكل نوعا من الثقافة تدعى بالثقافة المرورية التي تساهم بشكل كبير في التقليل من حوادث المرور؛ حيث تعمل الجهات المعنية جاهدة على تحقيق خفض ملموس في الحوادث المرورية الجسيمة من خلال تنفيذ التحسينات الهندسية على الطرق الرئيسة والسريعة وتزويدها بمتطلبات السلامة وتعزيز الرقابة والضبط المروري على الطرق كافة بتقنيات حديثة وحملات ممنهجة للتعامل مع المخالفات المرورية، وتفعيل خدمات الإسعاف الجوي في عدة مناطق، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى تعزيز إضافي ورفع القدرات الصحية للتعامل مع مصابي الحوادث المرورية واستحداث مراكز طبية مختصة في التعامل مع تلك الإصابات. مما نتج عن ذلك بحسب إحصائيات صادرة من منظمة الصحة العالمية تراجع وفيات حوادث الطرق في المملكة بنسبة (35 %) خلال السنوات الخمس الماضية – ولله الحمد -. ولكن مع كل هذه الجهود لا تزال المشاكل المرورية وحوادث الطرقات تشكل هاجساً لدى المسؤولين، وتجعل من الحوادث المرورية ظاهرة لا يمكن المرور عليها دون دراستها. وتتعدد الأسباب لهذه الظاهرة إلى العنصر البشري باعتباره المدرك والقادر على التأقلم مع كل الأوضاع وفي كل الحالات، وفي هذا الصدد كشفت إحصاءات معظم الدول أن ما بين 80 % و90 % من حوادث المرور ترجع إلى العامل البشري، في حين أن ما بين 10 % و20 % فقط تنسب إلى حالة البيئة والطريق أو لظروف السيارة. وبناءً على تقارير لمنظمة الصحة العالمية للعام 2023م يقضي نحو 1.2 مليون شخص حتفهم كل عام نتيجة حوادث المرور، وتمثّل الإصابات الناجمة عن حوادث المرور أهم أسباب وفاة الشباب ولن نتحدث في هذا المقال عن مسببات الحوادث المعروفة والمتوقعة والتي تتمثل في السرعة الزائدة ومخالفة التعليمات المرورية، وحالات الاستهتار والتفحيط بالمركبات فهذه من البديهيات الكبيرة في سبب وقوع الحوادث المرورية، ولا سبيل للنجاة منها إلا بالعقوبات الصارمة والرادعة إضافة للتوعية والترشيد المروري باستمرار. ولكن نتحدث بشكل معمق عن مسببات أخرى للحوادث المرورية، والتي بإمكان شيء من الوعي والتحذير والتنبيه وتحمل المسؤولية من قبل الجميع أن يتم الامتناع عنها، وإمكانية تركها وعدم الوقوع بمخالفاتها لتقل بالتالي مستويات الزيادة في نسبة الحوادث المرورية مثل (استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، واستخدام عدد كبير من السائقين للتوصيل بدون التحقق من أهليتهم لذلك، ومشكلات الصيانة المفاجئة في الشوارع والطرقات، والقيادة تحت تأثير مسكر أو مخدر المؤدي للحوادث القاتلة، وموضوع التأمين على السيارات). وبالتالي تبرز في مقدمة المسببات مشكلة استعمال الهاتف النقال أثناء القيادة كواحدة من المشكلات التي تهدد السلامة المرورية حيث أن الانشغال بالهواتف تصرف السائق عن مراقبة حركة المرور، وعدم انتباهه إلى الفجوات الموجودة في الطريق وإدراك خطورتها إلى جانب كذلك صعوبة محافظته على السيارة في وضع السليم أو على السرعة المناسبة لحظة انشغاله بالهاتف الجوال. يضاف للمسببات أيضاً قيام كثير من الموردين والموزعين والمطاعم بتسخير عدد كبير من السيارات والسائقين لتوصيل الطلبات بأسرع وقت وأقل تكلفة، متجاهلين التحقق من صلاحية هذه الآليات وسائقيها للسير في الطرقات، والقيام بهذه المهام، فنجد بعضهم على سبيل المثال يسرع للتوصيل الطلب بالوقت المناسب متجاهلاً العواقب والمخاطر التي قد تنتج عن ذلك. ويضاف لمسببات الحوادث أيضاً أخطاء الصيانة للطرقات ومشكلاتها، أو عدم الصيانة أحياناً، حيث يتسبب وجود الحفر أو مصدرات الطرق في حدوث الحوادث المرورية. ولا ننسى في هذه العجالة موضوع التأمين على السيارات، فالتأمين تحملت جزءاً كبيراً من مشاكل الحوادث التي يقوم بها السائقون وخاصة منها (التأمين الشامل) وبالتالي لا يهتم السائق بوقوع الحادث وتبعاته، ويصبح جل اهتمامه هو متى سيتم إصلاح سيارته، ومتى سيسدد له التأمين المبلغ، وهو مطمئن بأن التأمين سيقوم باللازم، حتى لو وصل الأمر لدفع مبالغ طائلة في حالات الوفاة في الحوادث على سبيل المثال. فغياب الرادع المادي والمجتمعي المسؤول في الحوادث شكل سبباً رئيسياً للزيادة في الحوادث المرورية. لذا فالعمل على الحد من مسببات هذه المشكلة يعني التقليل من الخسائر المادية والبشرية الناجمة عنها التي أصبحت تعرقل تنمية المجتمعات، ولقد سخرت حكومتنا الرشيدة كل الإمكانات المتاحة من أجل التقليل من هذه الظاهرة أو الحد من تداعياتها، وتم طرح مواضيع عدة حول هذا الأمر في العديد من المناسبات من قبل أهل الاختصاص لأنه من الموضوعات البالغة الأهمية، لذلك وجب وضع حلول واقتراحات لازمة له، ومع تنامي مشكلة الحوادث المرورية وجب كشف بعض الحقائق المتصلة بها وبالإنسان الذي يتسبب في معظمها. وذلك من خلال توضيح مسبباتها وإحصاء الأضرار المترتبة عنها، والعمل على تزويد أفراد المجتمع بمعارف ومعلومات تخص السلامة المرورية، وتهدف إلى تصحيح سلوكيات سلبية شائعة ورفع مستوى الوعي بمخاطرها وتصحيح بعض المعتقدات الخاطئة في شأن القضايا المرورية عن طريق التوعية المرورية ومحاولة تسليط الضوء على السلبيات للحد من هذه الظاهرة. وتأتي على رأس الجهود للحد من هذه الظاهرة رفع مستوى الوعي والتحذير من هذه السلبيات، حيث تعد التوعية المرورية محل اهتمام الكثيرين في الوقت الراهن، وذلك راجع إلى تفاقم الحوادث المرورية بحيث أصبحت أحد أبرز المشكلات التي يواجهها مجتمعنا، خاصة وأنها في منحى تصاعدي، ما يخلف خسائر بشرية ومادية كبيرة تفوق نسبتها تلك التي تسببها الحروب والصراعات، إذ أنها تحتل المرتبة الأولى في مصاف المخاطر الكبيرة التي تهدد كيان المجتمع، والمتفحص للإحصائيات التي تصدرها الجهات المختصة يجد أرقاماً هائلة مخيفة من حوادث المرور المميتة التي تزهق أرواحاً وكأنها حالة استنزاف مستمرة، علاوة على ما تخلفه هذه الحوادث من إصابات وإعاقة تحدث خللاٍ أسرياٍ، واجتماعياٍ ونفسياً كبيراً، ونظراً لخطورة هذه الظاهرة عمدت مختلف الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية إلى وضع إجراءات للحد من مشكلة حوادث المرور. وذلك بتجنيد كل الإمكانيات المتاحة كالأسرة والمدرسة التي تعمل على تشكيل الوعي المروري، ونشر ثقافة مرورية وقائية واعية تسهم تقليل نسبة الخسائر المادية والبشرية، ولعل ذلك من أهم المطالب التي تسعى الدولة – أعزها الله- لتحقيقها، حيث أنه برغم المجهودات المبذولة من طرف الجهات المعنية، إلا أن حوادث المرور لا تزال في ارتفاع مستمر. ويمكن تقديم بعض التوصيات المهمة للحد من الحوادث المرورية، ومنها: عدم منح رخصة القيادة لأي شخص - وخاصة للمراهقين - إلا بعد اجتيازه برنامج تدريبي يتعلق بأصول القيادة وعدم ارتكاب هذه المخالفات. وطالب بعض المسؤولين سابقاً باتباع أسلوب خصم النقاط عند ارتكاب السائقين للمخالفات وسحب الرخصة بعد بلوغ المخالف عدد من النقاط، ولا تمنح الرخصة بعدها إلا بعد اجتياز المخالف فترة تدريبية تأهيلية أخرى، وضرورة قيام مؤسسات التوريد والتوصيل بتوقيع الكشف الطبي والنفسي على السائقين قبل السماح لهم بمزاولة مهنة توصيل الطلبات.