قد يكون هناك أنواع جديدة من التعاطي أشد خطراً وفتكا على المجتمع ونسيجه العاطفي والإنساني من خطر المخدرات والمسكرات لكثرة انتشارها وسهولة الحصول عليها من الصغير قبل الكبير من خلال تحميل هذه التطبيقات والبرامج دون رسائل توعوية أو تحذيرية حتى الآن وترك الناس يواجهون مصيرهم أمام هذا الإدمان الرقمي وخطر اجتياح برامج الفيديوهات كتطبيقات مستقلة أو كخاصية مضافة لأغلب برامج التواصل الاجتماعي وما تحدثه هذه الفيديوهات السريعة التدفق بكميات كبيرة وتنوع شديد دون حسيب ولا رقيب بين الأخبار السيئة، والأكاذيب والشائعات، ومشاهد العُري، والبذخ المادي والهدايا، والسلوكيات الخاطئة، والألفاظ الخادشة للحياء، ومحاولة إثارة الانتباه والجدل للتكسب المادي، وذات توجهات غير محايدة سياسية أو قيمية قد تختلف معها الكثير من المجتمعات في العالم ولكنها سطوة التقنية والانتشار قد تضع الجميع أمام الأمر الواقع. تعمل هذه البرامج بنظام الذكاء الاصطناعي وشبكة من الخوارزميات التي تساعد على تصميم نموذج تتحكم فيما يظهر إليك من فيديوهات تلبي رغباتك واهتماماتك وذوقك وما يعجبك من مقاطع ومشاهدات، فهي التي تجعل هذه المنصة أشبه بالإدمان لكل مستخدميها، وذلك وفقاً لآراء الخبراء، بالإضافة إلى قدرة هذه البرامج على أن تقترح عليك فيديوهات ومقاطع وفقاً لاهتماماتك وما تتوقعه أنك ستحبه ويحظى باستحسانك ويروق لك، بتدفق سريع وجودة عالية في ترشيح الأفضل وهذا يخلق نوع من الشعور بالسرور والسعادة يرتبط بهرمون الدوبامين، لأنه يعمل على التأثير في مناطق معينة من الدماغ تتحكم بمشاعر السرور والتحفيز والمكافأة، وهنا يكمن الخطر في محالة الأصول إلى نفس الشعور في كل مرة وهل يستطيع البرنامج أن يوفر لك هذا الشعور بالمتعة والرضى كل مرة، مما يضع الفرد في مأزق أن يقضي ساعات طوال في البحث والتمرير في محاولة الأصول إلى هذا الشعور. إن الخطر الأعظم في خضم ذلك أن العقل البشري لا يستطيع تجنب المقارنات بين ما تحويه هذه المقاطع من صور وأجسام مثالية ومستويات عالية من الرفاهية والجمال مع الحياة الواقعية التي يعيشونها مما يشعرهم بتدني احترام الذات والإحباط من واقعهم وينتج عنه اضطراب الأكل لدى الشباب والهروب من الواقع وبالتالي التدخين وغيره، على الرغم من أن العديد من المراهقين يعرفون أن أقرانهم يشاركون فقط أفضل صورهم ولحظاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه من الصعب جدًا تجنب هذه المقارنات. أعتقد أن الوضع خطير جداً ويحتاج إلى وقفة جادة من المجتمع والمختصين وأن يكون هناك مراكز متخصصة وبرامج توعوية بالمواطنة الرقمية في الجامعات والتعليم العام للحد من هذا الخطر الجارف، والبحث عن برامج وأساليب تزيد من المشاركات الحياتية والواقعية والأسرية، ورفع مستوى الجودة الإنتاجية المحلية للدراما والأفلام والمسرح المقننة والتي تحمل الرسائل الهادفة والتوعية المسؤولة وتعالج هذه القضايا وتسلط الضوء على غيرها من القضايا المجتمعية.