شن الجيش الإسرائيلي الجمعة والسبت سلسلة من الضربات القاتلة امتدت من شمال قطاع غزة إلى جنوبه مكثفا في الوقت ذاته ضغوطه على رفح، حيث ينفذ عمليات في وسط هذه المدينة، في ساعات الفجر الأولى، أفاد شهود بوقوع ضربات إسرائيلية قرب رفح في أقصى جنوب قطاع غزة التي تتركز فيها أعنف العمليات في الحرب الدائرة منذ قرابة ثمانية أشهر بين إسرائيل وحماس، وفي النصيرات في وسط القطاع. وقال الجيش الإسرائيلي إنه عثر في وسط رفح على "قاذفات صاروخية لحماس وفتحات أنفاق وأسلحة" وإنه "هدم مخزن أسلحة". وفي وسط قطاع غزة، أسفرت ضربات ليلية عن استشهاد 11 شخصا بينهم طفلان على ما أفادت مصادر طبية في دير البلح وفي مخيم النصيرات. وقال الجيش إنه "قضى" على مقاتلين كانوا يتحركون بالقرب من قواته في هذه المنطقة. ورغم موجة التنديد الدولية التي أثارها قصف أوقع عشرات القتلى في مخيم للنازحين في رفح الأحد، واصل الجيش هجومه البري المستمر منذ السابع من مايو في المدينة التي تعج بالسكان والنازحين مع هدف معلن هو القضاء على آخر كتائب حماس. وقال الجيش إنه قتل نحو 300 من مقاتلي حماس منذ بدء الهجوم على رفح. وسمح التوغل البري في رفح لإٍسرائيل بالسيطرة على "محور فيلادلفيا" وهي منطقة عازلة على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري إن حماس استخدمت محور فيلادلفيا "باستمرار لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة". غير أن مصر نفت وجود أنفاق كهذه تحت الحدود متهمة إسرائيل بالسعي إلى تبرير هجومها في رفح. الاحتلال يواصل قصف غزة ويكثف عملياته في رفح ويواصل الفلسطينيون بأعداد كبيرة النزوح من رفح حاملين أمتعتهم على أكتافهم أو في سيارات أو على عربات تجرها الحمير، في حركة نزوح تكررت مرات عدة على وقع اشتداد الحرب. وقال المكتب الاعلامي الحكومي في غزة "مضى 24 يوما على احتلال معبر رفح البري من قبل جيش الاحتلال، وإغلاق معبر كرم أبو سالم، مما أدى إلى وقوع أزمات إنسانية مركبة بمنع 22 ألف جريح ومريض من السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة، وكذلك بمنع إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات التموينية لغزة". من جانبه أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة أنّ إسرائيل عرضت "خريطة طريق" جديدة نحو سلام دائم في غزة، في مبادرة قابلتها حماس ب"إيجابيّة" بينما شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على أنّ الحرب لن تنتهي قبل "القضاء" على الحركة الفلسطينيّة. وفي أوّل خطاب رئيس له بشأن حلّ النزاع المستمرّ منذ قرابة ثمانية أشهر، قال بايدن إنّ المقترح الجديد الذي أعلن عنه يبدأ بمرحلة مدّتها ستّة أسابيع تشهد انسحاب القوّات الإسرائيليّة من كلّ المناطق المأهولة في غزّة. وأضاف في خطاب متلفز من البيت الأبيض "حان وقت انتهاء هذه الحرب، وليبدأ اليوم التالي. لا يمكننا أن نُفوّت هذه اللحظة" لاغتنام فرصة السلام. وأردف أنّ "إسرائيل عرضت اقتراحا جديدا شاملا. إنّها خريطة طريق لوقف دائم لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن". ودعا بايدن حماس إلى قبول المقترح، قائلا إن الحركة الفلسطينيّة "يجب أن تقبل الصفقة". وأوضح بايدن أنّ المرحلة الأولى التي تستمرّ ستّة أسابيع تتضمّن "وقفا كاملا وتاما لإطلاق النار، انسحاب القوّات الإسرائيليّة من كلّ المناطق المأهولة بالسكّان في غزّة، والإفراج عن عدد من الرهائن بمن فيهم النساء والمسنّون والجرحى، وفي المقابل إطلاق سراح مئات من المساجين الفلسطينيّين". ولفت إلى أنّ الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني سيتفاوضان خلال تلك الأسابيع الستّة حول وقف دائم للنار، لكنّ الهدنة ستستمرّ إذا ظلت المحادثات جارية. «الصحة العالمية» تمنح حقوقاً إضافيةً للفلسطينيين واعتبر بايدن أن إسرائيل قوضت قدرات حركة حماس بشكل كبير، وأن الحركة لم يعد بإمكانها تهديد أمن إسرائيل بعد 8 أشهر من الحرب التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. واتخذ بايدن من هذا المنظور منطلقا لمخاطبة الإسرائيليين بأنه يمكنهم التعاطي مع مقترح إسرائيلي بالأساس لإسدال الستار على أطول جولة من التصعيد بين إسرائيل والحركات المسلحة الفلسطينية. ووجه الرئيس الأميركي حديثه إلى القيادة الإسرائيلية، داعيا إياها إلى عدم الرضوخ إلى ضغوط من قبل بعض أعضاء الائتلاف الحاكم. ورأى بايدن أن استمرار البحث عن "النصر المطلق" في قطاع غزة ربما يقود إسرائيل إلى عزلة دولية. وكشف الرئيس الأميركي الجمعة عن تفاصيل المقترح الإسرائيلي المؤلف من ثلاث مراحل، والذي وصفه بأنه شامل ويركز على وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأماكن المكتظة بالسكان في القطاع وإطلاق سراح الرهائن والأسرى. وعرج بايدن على مراحل المقترح الثلاث التي تبدأ بستة أسابيع من الوقف الشامل لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السكانية في غزة، وإطلاق سراح عدد من الرهائن الأحياء ورفات آخرين. وخلال هذه المرحلة يمكن للفلسطينيين العودة إلى منازلهم في غزة ، بما في ذلك في الشمال، بالتزامن مع زيادة كبيرة في المساعدات النافذة إلى القطاع لتصل إلى 600 شاحنة يوميا. وأوضح بايدن أن المرحلة الثانية من المقترح تتضمن وقفا دائما للأعمال العدائية وتبادل جميع الرهائن الأحياء المتبقين والأسرى وانسحاب جميع القوات الإسرائيلية من غزة. بينما تشمل المرحلة الثالثة خطة كبيرة لإعادة إعمار القطاع وتسليم ما تبقى من رفات الرهائن إلى ذويهم. وأثارت خارطة الطريق التي كشف بايدن عن تفاصيلها ردود فعل متباينة داخل إسرائيل، فنقلت القناة الثانية عشرة تصريحات لمسؤول إسرائيلي، لم تسمه، اعتبر فيها أن خطاب بايدن "ضعيف ويمثل انتصارا لحماس". بينما ذكرت القناة الثالثة عشرة أنهم "في إسرائيل فوجئوا من التفاصيل التي تناولها الرئيس بايدن في خطابه، ولكن هذه الخطوط العريضة التي وافق عليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من حيث المبدأ كجزء من مناقشات مجلس الحرب، هذه في الواقع خطة إسرائيلية أميركية لإنهاء الحرب حتى لو لم يقل مكتب رئيس الوزراء ذلك صراحة". وفي أول تعليق له بعد خطاب بادين، قال مكتب نتنياهو إن الحكومة الإسرائيلية موحدة في رغبتها في إعادة المختطفين في أسرع وقت ممكن، وإنها تعمل على تحقيق هذا الهدف. منع 22 ألف جريح ومريض من العلاج خارج القطاع على الجانب الآخر، قالت حركة حماس في بيان إنها تنظر بإيجابية إلى ما تضمنه خطاب الرئيس الأميركي، واعتبرت أن "هذا الموقف الأميركي وما ترسخ من قناعة على الساحة الإقليمية والدولية بضرورة وضع حد للحرب على غزة هو نتاج الصمود الأسطوري لشعبنا المجاهد ومقاومته الباسلة". وأبدت الحركة استعدادا "للتعامل بشكل إيجابي وبناء مع أي مقترح يقوم على أساس وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الكامل من قطاع غزة وإعادة الإعمار وفتح المعابر وعودة النازحين إلى جميع أماكن سكناهم وإنجاز صفقة تبادل جادة للأسرى إذا ما أعلن الاحتلال التزامه الصريح بذلك". في الوقت نفسه وصف مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، المقترح الإسرائيلي الأميركي بأنه "يمثل اعترافا بفشل أهداف العدوان الإسرائيلي في التطهير العرفي واقتلاع المقاومة وفرض السيطرة على قطاع غزة واسترداد الأسرى بالقوة". وحذر البرغوثي من "مناورات" نتنياهو، مشددا على ضرورة "الإصرار على إنهاء الحرب بالكامل وخروج قوات الاحتلال من قطاع غزة وإعادة بناء ما دمره الاحتلال". كما دعا إلى "تشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة وحكومة وفاق وطني مؤقتة لضمان وحدة الضفة الغربية والقطاع وإفشال مخططات إسرائيل والإعداد لانتخابات ديمقراطية جرة". من جهة أخرى قرّرت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية منح حقوق إضافية للفلسطينيين، في خطوة شبيهة بقرار مماثل اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسابيع. وبغالبية ساحقة صوّتت الدول الأعضاء التي اجتمعت هذا الأسبوع في إطار جمعية الصحة العالمية، وهي أعلى هيئة لصنع القرار في منظمة الصحة العالمية، لصالح مشروع قرار يهدف إلى "مواءمة المشاركة الفلسطينية" في منظمة الصحة العالمية مع مشاركتها في الأمم المتّحدة. ومن بين 177 دولة لديها الحق في التصويت، أيّدت 101 دولة النص، فيما عارضته خمس دول. وقوبلت نتيجة التصويت الذي تمّ برفع الأيدي بالتصفيق مطوّلاً. سوء التغذية والجفاف يحصدان أرواح 37 طفلاً ومشروع القرار الذي قدّمته مجموعة من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى الصين ونيكاراغوا وفنزويلا، يدعو إلى منح الفلسطينيين الذين لديهم وضع مراقب لدى منظمة الصحة العالمية، الحقوق نفسها تقريبا كما لو كانوا أعضاء كاملي العضوية. وجاء التصويت في جنيف بعد أن صوّت أعضاء الأممالمتحدة بغالبية ساحقة في وقت سابق من مايو في نيويورك لإعطاء مزيد من الحقوق للفلسطينيين في المنظمة العالمية، بعد أن عرقلت الولاياتالمتحدة مسعاهم للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتّحدة. وقالت وزارة الصحة في غزة في بيان امس إن أكثر من 36379 فلسطينيا تأكد استشهادهم وأصيب 82407 آخرون خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر. وأضافت الوزارة أن نحو 95 فلسطينيا قتلوا وأصيب 350 خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وتقول الوزارة إن آلاف القتلى الآخرين لا يزالون على الأرجح تحت الأنقاض في القطاع المدمر. كما وثّقت وزارة الصحة الفلسطينية وفاة 37 طفلاً في قطاع غزة، بسبب سوء التغذية والجوع والجفاف، إثر الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع، والذي تسبب في منع وعرقلة وصول إمدادات الغذاء والدواء إلى القطاع. وأكدت "الصحة الفلسطينية"، أن المئات من الأطفال الفلسطينيين مهددين بالموت في ظل عدم حصولهم على الغذاء والدواء، مع مواصلة الاحتلال الإسرائيلي لعدوانه على القطاع، لافتةً أن 90 % من أطفال غزة الذين يشكلون ما يقارب من نصف سكان القطاع يعانون من سوء التغذية والحرمان من مقومات الحياة.