بعد الحداد على الرئيس إبراهيم رئيسي، تصب إيران اهتمامها الآن على الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 يونيو التي يسعى خلالها المعسكر المحافظ إلى إيجاد مرشح أثبت ولاءه للمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي.وستكون هذه الانتخابات موضع متابعة كبيرة من الأسرة الدولية فيما تشكل طهران لاعباً محورياً في أزمات عدة ولا سيما في الحرب الدائرة في قطاع غزة وفي الملف النووي الإيراني. وكان موعد هذا الاقتراع محدداً أساساً في ربيع العام 2025 إلا أن هذه الرزنامة تغيّرت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي عن 63 عاماً في حادث تحطم مروحيته في 19 مايو مع سبعة أشخاص آخرين بينهم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وبموجب الدستور، كلف المرشد الأعلى للجمهورية رئيس البلاد بالوكالة محمد مخبر البالغ 68 عاماً مهمة تنظيم الاقتراع الرئاسي. وتبدأ مرحلة الانتخابات الخميس مع مهلة خمسة أيام تمنح للراغبين بالترشح بتقديم طلبات رسمية لدى وزارة الداخلية. ويشترط أن يكونوا بين سن الأربعين والخامسة والسبعين من رجال الدين أو خلاف ذلك. وكان أول من أعلن نتيه الترشح سعيد جليلي المسؤول السابق عن الملف النووي الإيراني والذي يعتبر محافظاً متشدداً. ومن المرشحين المحافظين المحتملين أيضاً، والرئيس بالوكالة الحالي مخبر غير المعروف جدا لدى الرأي العام وكذلك الرئيس المتشدد السابق محمد احمدي نجاد الذي قال إنه "يدرس الظروف ليقرر" ما إذا كان سيخوض السباق الرئاسي.وتطرح أسماء مسؤولين سابقين آخرين يقدمون على أنهم اكثر اعتدالاً على غرار وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف أو رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني. وينبغي أن تحصل الترشيحات على موافقة مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون والموكل المصادقة على أهلية المرشحين أو استبعادهم، بحلول 11 يونيو. في 2021 استبعدت هذه الهيئة الكثير من الشخصيات الاصلاحية والمعتدلة من بينها علي لاريجاني ما سمح بانتخاب ابراهيم رئيسي بسهولة من الدورة الأولى.وامتنع الكثير من الناخبين من التوجه إلى صناديق الاقتراع معتبرين ان شروط المنافسة غير متوافرة. وبلغت نسبة المشاركة 49 % فقط في أدنى مستوى لها في اقتراع رئاسي منذ 1979. وكانت نسبة المشاركة بعد أقل خلال الانتخابات التشريعية في مارس الماضي مع توجه 41 % من الناخبين إلى مراكز الاقتراع الذي قاطعته الأحزاب الإصلاحية بعد استبعاد الكثير من مرشحيها. ورأى الخبير السياسي عباس عبدي الاثنين في صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية "أنا على ثقة أن الإصلاحيين سيفوزون بهامش كبير" بالانتخابات الرئاسية إذا سمح لهم بالترشح. ويهيمن المحافظون بشكل واسع على البرلمان المنبثق عن الانتخابات التشريعية الأخيرة والذي بدأ عمله الاثنين. وقد أعاد البرلمان الثلاثاء انتخاب محمد باقر قليباف رئيسا له ما يحد من إمكان أن يترشح هذا الأخير لمنصب الرئاسة بحسب خبراء. خلال مراسم التشييع التي شارك فيها مئات آلاف الإيرانيين الأسبوع الماضي أكد خامنئي أن رئيسي كان مسؤولا "كفؤا ونزيها وجديا". وشهدت سنوات حكمه الثلاثة أزمات عدة لا سيما أزمة الاقتصاد الذي أضعفه التضخم الجامح ومعدل البطالة المرتفع والتراجع القياسي في سعر صرف العملة الوطنية في مقابل الدولار. إلا أن إيران نجحت في الالتفاف على العقوبات الأميركية الصارمة من خلال إيجاد منافذ جديدة لنفطها ولا سيما في آسيا. وعززت طهران تقاربها مع الصينوروسيا فيما تصاعد التوتر مع إسرائيل خصوصا منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر. واحتدم الوضع بين البلدين بشكل لافت في أبريل عندما شنت طهران هجوما غير مسبوق باتجاه الأراضي الإسرائيلية بإطلاقها 350 مسيّرة وصاروخاً رداً على ضربة نسبت إلى الدولة العبرية استهدفت قنصليتها في دمشق ما أدى إلى مقتل سبعة عسكريين إيرانيين ببينهم ضابطان كبيران في الحرس الثوري. على الصعيد الداخلي وجد رئيسي نفسه في وضع دقيق مع حركة الاحتجاج الواسعة الناجمة عن وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022 إثر توقيفها لعدم احترامها قواعد اللباس الصارمة في البلاد. من جانب آخر أفاد تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنّ محادثاتها مع طهران عُلقت إثر وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، بينما أشار تقرير آخر إلى أن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصّب في الأشهر الأخيرة 30 مرة عن الحد المنصوص عليه في اتفاق 2015. يأتي ذلك في وقت "يتزايد القلق" بشأن نوايا الجمهورية الإسلامية، حسبما أفاد المدير العام للوكالة رفاييل غروسي في وثيقة غير معدّة للنشر اطّلعت عليها وكالة فرانس برس. وأشارت الوثيقة إلى "تصريحات علنية جديدة في إيران بشأن القدرات التقنية للبلاد على إنتاج أسلحة نووية، وتغييرات محتملة في العقيدة النووية". ولطالما نفت طهران رغبتها في الحصول على قنبلة نووية، غير أنّها باتت تملك كمية من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة تكفي لصنع ثلاث قنابل نووية في حال زادت نسبة تخصيبها إلى 90 في المئة، وفقاً للوكالة الأممية.وكان غروسي قد طلب تحقيق "نتائج ملموسة في أسرع وقت ممكن" بعد زيارته إيران في بداية مايو لتخفيف حدّة التوترات التي تطغى على العلاقات. وقال إنّ "الوضع الحالي غير مرضٍ أبداً. وصلنا تقريباً إلى طريق مسدود... ويجب أن يتغيّر ذلك"، معرباً عن أمله في "تحقيق تقدّم بحلول موعد انعقاد مجلس المحافظين في الوكالة المقرّر الأسبوع المقبل في فيينا في النمسا".ولكن في غضون ذلك، أدّت وفاة رئيسي ، إلى تعقيد الأمور. وقالت الوكالة في تقريرها إن طهران "أبلغتها أنّه بسبب ظروف استثنائية، ليس من المناسب مواصلة المفاوضات"، مشيرة إلى أنّه سيتم تحديد موعد جديد في وقت لاحق.وبينما من المقرّر إجراء انتخابات رئاسية في إيران في 28 يونيو، "أعاد (غروسي) التأكيد على دعوته الحكومة الجديدة" التي ستتشكل بعد الانتخابات لاستئناف التبادلات، وفقاً للتقرير. يأتي ذلك في وقت سلّطت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الضوء في تقرير آخر، على زيادة التخصيب من جانب إيران. وقالت إنّ المخزونات الإيرانية من اليورانيوم المخصّب بلغت 6201,3 كيلوغراماً في 11 مايو مقارنة مع 5525,5 كيلوغراماً في فبراير، أي أكثر بثلاثين ضعفاً من الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي المبرم في العام 2015. وكان من المفترض أن يتمّ تقييد أنشطة طهران النووية مقابل رفع العقوبات الدولية، بإشراف هذه الوكالة الأممية المسؤولة عن التحقّق من الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني. غير أنّ إيران حرّرت نفسها تدريجياً من الالتزامات التي تعهّدت بها في إطار الاتفاق النووي، وذلك رداً على انسحاب الولاياتالمتحدة منه في العام 2018 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترمب. وفي هذه الأثناء، فشلت المناقشات الهادفة إلى إعادة إحياء الاتفاق في صيف العام 2022. بالإضافة إلى زيادة مخزون اليورانيوم، تخطّت إيران بشكل كبير السقف المحدّد لتخصيب اليورانيوم عند نسبة 3,67 في المئة، أي ما يعادل النسبة المستخدمة في محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء. وباتت تملك 751,3 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 في المئة، مقابل 712,2 كيلوغراماً قبل ثلاثة أشهر. أمّا اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة، فقد رفعت إيران مخزونها منه إلى 142,1 كيلوغراماً مقابل 121,5 كيلوغراماً في السابق. علما أن صنع قنبلة نووية يتطلب زيادة نسبة التخصيب إلى 90 في المئة. في الوقت نفسه، تمّ تقليص عمليات التفتيش في المواقع النووية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، كما تمّ فصل كاميرات المراقبة وسحب اعتماد مجموعة من الخبراء. وفي هذا السياق "غير المسبوق"، تضغط بريطانيا وفرنسا وألمانيا أي الدول الثلاث التي لا تزال أطرافاً في "خطة العمل الشاملة المشتركة" مع روسياوالصين، من أجل إصدار قرار يدين هذا التصعيد في مجلس المحافظين. غير أنّ الولاياتالمتحدة تُظهر تردداً بهذا الشأن، خوفاً من تفاقم التوترات الجيوسياسية الحالية في الشرق الأوسط خصوصاً أنّ مطالب الدول الثلاث تأتي في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرّر إجراؤها في نوفمبر المقبل. وقالت الخبيرة في جمعية الحد من الأسلحة كيلسي دافنبورت لفرانس برس "حان الوقت للتصرّف"، مضيفة أنّ "الانتظار ستة أشهر أخرى بعد الانتخابات الأميركية، لن يؤدي إلّا إلى تفاقم التحديات الحالية... من خلال إرسال إشارة مفادها أنّ طهران يمكنها أن تستخف بالتزاماتها الدولية مع الإفلات من العقاب". وبحسب دافنبورت، يجب على الولاياتالمتحدة "أن تطرح عرضاً على الطاولة" بما في ذلك تخفيف العقوبات "لنزع فتيل التوترات" وإزالة "التهديد الذي تمثّله إيران إذا حازت على السلاح النووي".