ضمن جملة الأسئلة التي تطرحها لجان المقابلات الشخصية على المتقدمين في مسابقة وظيفية أو دراسية، سؤال عن شيء ندم المتقدم على فعله. وغرض السؤال ليس ضبط إساءة ضد من يجيب عن الأسئلة، بل الهدف اختبار تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ، وهذا أحد المعايير المهمة في عملية التقييم. قبل عدة سنوات، عندما تلقيتُ هذا السؤال من لجنة القبول للدراسة في جامعة نوتنجهام، حكيت لهم عن آخر أسبوع لي في الوظيفة في شركة محلية قبل السفر إلى الابتعاث في بريطانيا. إذ بذلت جهدي لإنهاء جميع المهمات المعلّقة، وتسليم المسؤوليات لزميل آخر ليتولاها بعد مغادرتي. لكن جاءني مديري المباشر وقتها، وكلفني بمهمة صعبة تأخذ وقتاً طويلاً! وعبثاً حاولت إقناع الزملاء بتولي المهمة، لكنهم كانوا جد مشغولين في أعمالهم. فما كان مني للأسف إلا أن ادّعيت أن جهاز الحاسب الخاص بالعمل قد تعطل، وبالفعل أرسلته إلى قسم الصيانة ليأخذ عدة أيام للكشف والإصلاح. وبذلك صرت عاجزاً عن أداء المهمة الصعبة. وعندما سألتني اللجنة لماذا ندمت لما حصل؟ كان جوابي هو ردة فعل المدير، الذي استشفّ بحدسه سبب ما فعلته. إذ دعاني هذا المدير إلى اجتماع في مكتبه، وقال لي في هدوء: إنه ربما أخطأ عندما كلّف موظفاً على وشك المغادرة بمهمة جديدة، لكن بالتأكيد كان بالإمكان النّقاش والحوار بشكل عملي للوصول إلى حل يرضي الجميع. وبالنظر إلى أنّ هذا الموظف على أعتاب مرحلة جديدة في الحياة في الذهاب إلى الابتعاث، فلا ينبغي أن ينهي المرحلة التي قبلها في الوظيفة بشكل غير احترافي رغم أي شيء آخر، فلربما كانت هذه الخاتمة هي ما سيبقى في الأذهان. ثم تمنى المدير لي التوفيق مع نهاية الاجتماع. وأنهيت إجابتي إلى اللجنة، أنّ تأنيب الضمير تملّكني حينها، لكنني جعلت ما حصل بمثابة درس يذكرني دوماً أنه طالما في العمر بقية سيبقى السعي وبذل الأسباب واجبنا جميعاً في هذه الحياة. وفي سرّي تذكرت الأثر النبوي البليغ الذي يحث الإنسان على العمل حتى في نهاية الزمان ومهما كانت الظروف: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فَسِيلة، فليغرسها».