لست أول من يطرح هذا السؤال الأزلي من معاشر الكتّاب! ولست بالطبع آخر من يطرحه! لكنه تساؤل ما فتئ يتردد صداه داخلي، بعد إصدار خمسة كتب، ومرور نحو عقدين من الكتابة المنتظمة في كل من صحيفتي "الوطن"، وحالياً "الرياض"، وأكثر من ربع قرن في النشر الأدبي المتنوع. منذ أن كنت أجمع قصاصات الصحف والمجلات خلال سنوات المراهقة، والأفكار والرؤى تجول في خاطري، تبحث عن وسيلة للتعبير عنها، وجدتها في البداية عبر إصدار المجلات المنزلية وتسجيل إذاعة عائلية، لكنني كنت بحاجة إلى صوتٍ أعلى، ورسالة أكثر أثرًا، ليس على الجمهور؛ بل على روحي أولاً! لم أجد أفضل وسيلة من الكتابة، إذ أنها الطريقة المثلى للتعبير عن دواخل ذواتنا، عن آمالنا وأحلامنا، عن خيباتنا وانكساراتنا، ببساطة عن كل شيء! والرائع أن الفكرة الوليدة مهما كانت بدائية وبسيطة، ما تلبث أن تتشكل وتتطور، ثم تتحول إلى عبارات وجمل، ومع التعمق أتلمس القالب الكتابي الأفضل، فبعضها يكون مقالاً، والبعض قصة قصيرة، ونادراً ما تستقيم أبيات شعر! يتفاوت الكتّاب في الأسباب التي تدفعهم للكتاب، والتي تختلف من كاتب إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى، دون تجاوز أنها قد تختلف لدى الكاتب نفسه عطفاً على المرحلة العمرية أو الطور الفكري، ولعل أهمها ما جمعته "ميريديث ماران" في كتابها: "لماذا أكتب؟"، إذ خرجت بأربعة دوافع رئيسية للكتابة، أولها "الأنانية المطلقة" وهي أن تكتب ليتم الحديث عنك!، الثاني: "الحماسة الجمالية" وهي مسّرة تأُثير صوت على آخر، حينما تضبط إيقاع نثر الكلمات، الثالث: "الدافع التاريخي" وهي رغبة أن رؤية الأشياء كما هي وحفظها للأجيال القادمة، الرابع: "الغرض السياسي" بهدف تحديد الرأي والموقف من الأشياء. الحقيقة التي أدركتها مع مرور الوقت وتراكم رصيد التجربة، أن الكتابة فعلٌ واجب الحدوث للكتّاب، فنحن نكتب لأننا لا نستطيع إلا أن نكتب! هي رئتنا الثالثة، التي نتنفس بها عبق العيش، ونتأكد أننا لا نزال على قيد الحياة! ومن خلالها نُدهش من أثر الكلمة الساحر على كل شيء.. حرفياً على كل شيء! ونحن إذ ننفر من فعل الكتابة مخيرين أو نبتعد عنها مجبرين، نعود سريعاً لنعّبر ونكتب، لأنها الدواء الأنجع لتجاوز تحدياتنا وعثراتنا. أحب الكتابة لأنها تحلق بي بعيداً، في عنان سماءٍ لا حد لها، من خلالها أعبر الأزمان وأتجاوز حدود المكان، والمثير هنا أن ما أكتبه اليوم من أحرف وجمل يخلّد بلا حدود، ويتردد صداه بعيداً، ليفهم بأشكال متعددة، ويحدث أثراً أكبر مما أتصور. أكتب لأسباب عديدة، أعلم بعضها وأجهل كثيرها، الشيء الوحيد المتأكد منه: أنني أكتب لأنني بحاجة لأن أكتب!