انتشر بين بعض الناس عبارة (قتل الوقت) أو (خلنا نقطع الوقت) وهو مفهوم قاصر عن أهمية الوقت فهو يمثل العمر للإنسان، وإذا ضاع منك فلا يعوض أبداً. روى البخاري في الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ). وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشُغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلَب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبونُ، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التِّجارة التي يظهر ربحها في الآخرة؛ فمَن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومَن استعملهما في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبُه الشُّغل، والصحة يعقبها السقم؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني). وجاء في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعِظُه: (اغتنِمْ خَمْسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغُلك، وحياتك قبل موتك). صحيح جامع الترمذي. وفي جانب حرص السلف الصالح على أوقاتهم: يقول عبد الله بن مسعود: ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غرَبت شمسُه ونقص فيه أجلي ولم يزِدْ فيه عملي. ويقول عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك؛ فاعمل فيهما. ويقول الحسن البصري: يا بنَ آدمَ، إنما أنت أيامٌ، كلما ذهب يوم، ذهَب بعضُك. وقال أيضًا: أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم. وجاء عن الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بأنه كان حريصاً على استغلال وقته في مواقف كثيرة منها ما ذكر في سيرته ما نصه: (وفي طريقه إلى مكتبه أو مسجده في السيارة سواء كان ذاهباً أو راجعاً تقرأ عليه المعاملات والرسائل والكتب، وكذا وهو ذاهب إلى إلقاء محاضرة أو حضور ندوة أو تلبية دعوة). ويقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (إذا رأيت عمرك يمضي وأنت لم تنتج شيئاً نافعاً ولم تجد بركة في الوقت، فاحذر أن يكون أدركك قوله تعالى: «ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً» أي انفرط عليه وصار مشتتاً، لا بركة فيه). ويقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: (وأنا أعجب ممن يشكو ضيق الوقت، وهل يُضَيّق الوقت إلا الغفلة أو الفوضى؛ انظروا كم يقرأ الطالب ليلة الامتحان، تروا أنه لو قرأ مثله - لا أقول كل ليلة، بل كل أسبوع مرة - لكان عَلاَّمَة الدنيا، بل انظروا إلى هؤلاء الذين ألَّفوا مئات الكتب كابن الجوزي والطبري والسيوطي، والجاحظ، بل خذوا كتاباً واحداً كنهاية الإرب، أو لسان العرب، وانظروا، هل يستطيع واحد منكم أن يصبر على قراءته كله، ونسخه مرة واحدة بخطه، فضلاً عن تأليف مثله من عنده؟) وما أجمل هذه الأبيات من الشعر: الوقتُ أنفَسُ ما عنيت بحفظِه وأراه أسهَل ما عليكَ يضيعُ دقَّاتُ قَلْب المرء قائلةٌ له إن الحياةَ دقائقٌ وثوانِ فارفَعْ لنفسِك بعد موتِك ذِكرَها فالذِّكرُ للإنسان عُمْرٌ ثانِ وختاماً تذكر دائماً بأن وقتك من ذهب فلا تدعه يذهب من غير فائدة.