صفحة التاريخ والماضي مليئة بالراحلين، والطريق نحو الفراق قديم متجدد الآثار، على جنباته يصطف المودعون، كما أن طريق القدوم مليء بالمستقبلين، وهذه هي الحياة استقبال ووداع، وضحك وبكاء، فيها من الأضداد كما فيها من التوافق والتشابه. فيها إشارات الوداع تتكرر، والملوح يتصبر، والنسيان مطلب لكنه غير وارد، وإن كان في كل مجريات الحياة يفرض نفسه. وفي جنبات وثنايا الذكريات وصدى الكلمات، ومنجزات الراحلين ما يهدئ النفوس، وفي الانشغال بها ما يجبر شيئاً من آسها والهموم. وللشاعر مثل غيره في مشوار الحياة المتشعب، من عطاءات وتفاعل ومساهمات في بناء تنشده الأجيال جيلًا بعد جيل، يضيف رصيداً له ولمجتمعه، ويقدم بعد رحيله إرثاً أدبياً وسجلاً دون فيه موقف اعتراف ورأي، رسم ضمنه طريقاً وعبر عن مشاعر تدعو لصبر أو تآلف أو نصح وحكمة أو إرشاد، أو حث على خير وفضيلة وخلق نبيل واستقامة، أو نهي عن اعوجاج وتمرد وشر، ثم طوى سجله ورحل لتقرأه الأجيال من بعده. يقول الأمير الشاعر قصيدة للأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن أثناء مرضه مخاطبًا فيها أخيه الأمير سعود بن عبدالمحسن: صوتي تجرح ما بقى غير همسي وعسى حروفي اليوم توفي بغرضها كن السنين استكثرت طول عرسي سبعين، غيري ما حصل له بعضها ولا بدها يا سعود بتغيب شمسي ذي سنة رب الخلايق فرضها ولعلها حريتي بعد حبسي ولعلي ألقى عند ربي عوضها لولاي أحبك ما تذكرت نفسي ولا انتبهت لعجزها أو مرضها ومادام أشوفك طاب حزني وأنسي وما همني حلو الحياة ومضضها لعل قبل سعود لحدي ورَمسي أخوي من أثرى حياتي ونهضها ويا من ذكرني ما تذكرت منسي ذكرت من عد النجوم وقبضها أنا الذي لو تلمس الريح خمسي كان السحاب أرخى العباة ونفضها هذا الشجن حرثي والأيام غرسي قصيدتي يبطي الزمن ما نقضها وفي قصيدة تعبّر عن الصبر والتحمل لساكن الصحراء يقول: يا بنت أنا للشمس في جلدي حروق وعلى سموم القيظ تزهر حياتي اطرد سراب اللال في مرتع النوق ومن الظما يجرح لساني لهاتي عاري جسد والليل هتان وبروق دفاي انا والبرد سمل العباتي إن عذربوني بعض خلانك صدوق يا بنت أنا عشق الخلا من صفاتي وشم على رمل المتاييه مدقوق لاشك من منهم يسوي سواتي أنا بدوى ثوبي على المتن مشقوق ومثل الجبال السمر صبري ثباتي ومثل النخيل انا خلقت وهامتي فوق ما اعتدت انا احني قامتي الا فصلاتي وإلى افتخر بافعال يمناه مخلوق يا بنت انا فعلي شهوده عداتي الله خلقني وكلمة الحق بوفوق ملكت الارض وراس مالي عصاتي ويقول في غرض العز والاعتزاز : في دربكم يا راحلين منا كيف تالي ليال القيظ وأول خريفه ردو سلام أهل القلوب المواليف على الوليف اللي نشد عن وليفه ردوه لعذوق النخيل المهانيف وعلى القصور اللي بوادي حنيفة دارٍ لها بالقلب عشق وتكاليف يا عل عينٍ ما هوتها كفيفة طبنا وشبنا واتعبتنا المشاريف والمرقب العالي هبوبه عنيفة يا واردين العد كفوا المغاريف اللي بقى دمعٍ هماجٍ ذريفه والله لو دمي يغيث الملاهيف قطعت عرقي لين يصفى نزيفه يا حظ من لا عرف منهو ولا شيف إن طاب يحمد وان تردى بكيفه وحنا ورثنا العز عظم وغضاريف لا ما ورثنا العز تاج وقطيفة ويقول في المساندة والولاء: مانيب عن هرج المعادين نشّاد عجاجةٍ جانا المطر من وراها وان جدّد الظالم مزاعمه وش عاد؟! هذا هوى نفسه وهذا جداها ما تصلح الدنيا بلا صبر وعناد ولطم الخشوم وردها عن هواها أنا أشهد أن بلادنا المملكة بلاد ما أعظم مكانتها ومَطوَل مداها يا محمد إن حيّيت يا نسل الأجداد جمرة هل العوجا وشُعلة ضياها يا محمد إن حيّيت من رووس الأشهاد بقولها وأفرح بردَّة صداها حنا نشوف الصبح من قبل ينقَاد في مفرِقك والشمس غضٍّ سنَاها نحتاج لك روح ونحتاجك فؤاد وتحتاجك أرضك يا معمر ثراها لا يكدرك يا أمير فاجر وجحّاد بعض النفوس ابصارها هو عماها و إلى رضا سلمان يحتجّ مَن راد ما جيت خلق الله تدور رضاها والله فوق الكل في حماه نزداد عز وتهنا المملكة في رخاها الراحل في إحدى الأمسيات ناصر الحميضى