فجع الوسط الأدبي قبل أيام برحيل الكاتب الأديب؛ رفيق الدرب والمسيرة الأخ الحبيب الصديق الوفي الأستاذ عبدالرحمن بن فيصل المعمر، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وألهم أبناءه وكامل أسرته وزملاءه ومحبيه الصبر والسلوان "إنا لله وإنا إليه راجعون". شرفت بمعرفة الراحل في أوائل عام 1381ه بمدينة الطائف، وهو من أسرة آل المعمر في سدوس من إقليم العارض بنجد، ويمثلهم في الطائف في تلك الحقبة من الزمن سعادة الشيخ الأمير عبدالعزيز بن معمر -رحمه الله-، وكان حينذاك أميراً للطائف، وقد خدم وطنه وأمته ومبادئه من خلال المسؤوليات التي تقلدها في العديد من جهات المملكة كان آخرها إمارة الطائف، والتي تجلت أعماله فيها بالإخلاص والتفاني لله أولاً ثم لولاة الأمر. وكان له الدور البارز في بداية نهضتها بتحقيق إنجازات ومشاريع إذا ذُكرت شُكرت، ثم رحل بعد أن أبلى بلاءً حسناً في خدمة الطائف وأهلها. وكثيراً ما كنت ألتقي بأخي عبدالرحمن المعمر في مجلس عمه العم الشيخ عبدالعزيز بن معمر -طيب الله ثراه- بداره العامرة بحي العزيزية بالطائف، والذي كان مرتاداً للعلماء والأدباء والمثقفين ورجال الأعمال للإفادة من توجيهاته وتجاربه، وخَلَفَه فيما بعد ابنه البار المؤهل معالي الأستاذ فهد بن عبدالعزيز بن معمر -شفاه الله- الذي قاد مسيرة نهضة الطائف إصلاحاً ورُقيًّا ونهضة، وتحقق لها في عهده ما جعلها تكتسب العالمية في مجال السياحة والاصطياف كمصيف أول للمملكة العربية السعودية، وتحوز على لقب "عروس المصايف العربية"، وشمولها بالمشاريع النهضوية في شتى المجالات والأصعدة. وزادت وتوطدت معرفتي بالراحل عندما كان يأتي للطائف ضمن موظفي ديوان رئاسة مجلس الوزراء في فترة الصيف من خلال اللقاءات الأدبية والثقافية التي كانت تقام في الطائف في مناسبات متعددة، ولم يكن نادي الطائف الأدبي قد أنشئ بعد، فكانت لقاءاتنا في منازلنا، خاصة في مكتبتي التي كانت بدايةً في حي البلد بعمارة البوقري، ثم بمنزلي بعد انتقالي إلى حي الشهداء، أو ببعض مقاهي الطائف القديمة مثل حدايق نجمة، أو غيرها من مقاهي الطائف القديمة التي كانت متنفسًا لنا آنذاك في ظل أجواء الطائف المأنوس، وكنا نتسامر فيها ونتحاور في شتى الموضوعات الأدبية، وكان يحضر معنا بعض الأدباء والكتاب من الرياض ومن الطائف أحيانًا، ومضت السنوات ونحن على العهد تجمعنا الأخوة والتقدير والاحترام، كان الراحل قريبًا مني كثيرًا، يزورني في مكتبي عندما كنت أعمل بالمحكمة الكبرى بالطائف سابقًا، وقبل انتقالي للعمل بإدارة تعليم البنات، فكان يلبي دعوتي بمنزلي، وكنا نقضي أوقاتًا وسمرات طويلة تحفها المحبة في الله والمودة والتقدير والحوارات الثقافية المفيدة، خاصة أنه كان يحب الاطلاع والقراءة بشغف، كان سريع الحفظ، قوي الذاكرة، لديه القدرة على استظهار ما قرأ بشكل جميل مشوق، لا تمل حديثه ولا نقاشه، وكانت له إسهامات كتابية وأدبية وصحفية في العديد من الصحف والمجلات السعودية والخارجية، تفرغ للكتابة والصحافة والأدب، ورأس تحرير جريدة الجزيرة فترة من الزمن، وكان له بصمات فاعلة في نشاطها الإعلامي والصحفي، فكان يفتح أبواب الصفحات لكل مبدع ومثقف دون أن ينحاز لفئة دون أخرى، وارتقت الجزيرة في عهده منافسة مثيلاتها من الصحف الناهضة، وما زالت. ومن نشاطاته أيضًا إلقاء العديد من الأحاديث الإذاعية، والمشاركة في مؤتمرات وندوات دولية في الداخل والخارج. كما أسس مع المرحوم الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي دار ثقيف للنشر والتأليف، ومجلة عالم الكتب 1980م كما أنشأ دار المعمر للنشر والتوزيع عام 1985م. وله من المؤلفات: ربع قرن في الحياة والأدب والكتب، البرق والبريد والهاتف وصلتها بالحب والأشواق والعواطف، المضيفات والممرضات في الشعر المعاصر، كما كان له حضور بارز في نشاطات فاعلة في نادي الطائف الأدبي بعد تأسيسه، وكذا جمعية الثقافة والفنون بالطائف. خاتمة: الحديث عن الأخ الحبيب والصديق الوفي ورفيق الدرب الكاتب الأديب عبدالرحمن بن فيصل المعمر، وما أعرفه عنه من مزايا كريمة وصفات فاضلة، ومواقف مشرفة على مدى أكثر من نصف قرن خلت، قد لا تتسع لها هذه العجالة، وحسبي أنه خدم وطنه وأمته وقيادته بكل إخلاص وتفانٍ من خلال المسؤوليات والأعمال التي زاولها، وكان محل الثقة والأمانة والولاء، يمثل الخلق الرفيع والتواضع الجم والاستقامة والوفاء وحسن التعامل مع من يعرفه ومن لا يعرفه. وما زلت أذكر الحديث الذي دار بيني وبينه قبل وفاته بفترة وجيزة، عندما اتصل بي كعادته يسألني عن الحال والأحوال وهي عادته مع أصدقائه ومحبيه في السؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، وختم حديثه بقوله: نلتقي إن شاء الله أنا وأنت في الطائف خلال صيف هذا العام في مدينة الورود، لكن الأجل سبق الأمل.