الحديث عن بلوغ جريدة الندوة (52) عاماً من الجهد والعطاء وما حققته من انجازات رائدة خلال هذه المسيرة الموفقة في خدمة الوطن والأمة قد يعجز القلم عن حصرها واستيعاب هذه المطبوعة لها. وحسبنا أنها كانت في طليعة الصحف التي واكبت نهضة البلاد في شتى مجالات الحياة. وكان لها من الجهود المثمرة ما سجله تاريخ الصحافة ببلادنا بمداد التقدير والإشادة. ولي في مسقط نشأة هذه الجريدة مكةالمكرمة حرسها الله بعد نزوحي من القرية ذكريات لا أنساها؟ ففي حلقات الحرم المكي الشريف وعلى أيدي علماء أفاضل نذروا أنفسهم لخدمة العلم وطلابه تعلمت القراءة والكتابة وقراءة القرآن ثم الانتظام في مدارسها النظامية. ولظروف الحاجة ولجت معترك العمل مبكراً وفي مدينة الرياض أمضيت جزءاً من حياتي العملية كونت خلالها صداقات مع إخوة فضلاء معظمهم من أرباب القلم والكتابة. وشاركت بالكتابة في صحف المنطقة الوسطى والشرقية خلال تلك الفترة. وقد شغفت بحب القراءة واقتناء الكتب ومتابعة الجديد في عالمها منذ الصغر وكانت هوايتي المفضلة. كما كنت شغوفاً بمتابعة الكتاب والأدباء والصحافيين في نشاطاتهم وندواتهم ومحاضراتهم للإفادة من خبراتهم وتجاربهم. وفي أوائل عام 1381ه ألقيت عصا الترحال في مدينة الطائف المأنوس مصيف المملكة الأول، مدينة الجمال وعبق التاريخ، مدينة الخضرة والورد والعنب وصفاء الطبيعة. وعلى ثراها المعطاء تعرفت على مجموعة من أدبائها وشعرائها وقصاصيها ونقادها وصحافييها. وكانت لنا جلسات ومناقشات أدبية معظمها كان يقام في المقاهي والمتنزهات لا تتسع لذكرهم هذه المساحة وقد ترجمت لهم في كتابي الموسوم ب (من أدباء الطائف المعاصرين) الصادر عن نادي الطائف الأدبي عام 1410ه. وكانت الطائف في تلك الفترة ما زالت في بداية النهضة فطريق الهدا لم يفتح بعد والسفر إلى مكةوجدة عن طريق السيل وكان غير مسفلت وغاية في الوعورة والمشقة إضافة إلى عدم انتظام رحلات البريد وعدم وجود صحيفة تصدر في الطائف فجميعها تصدر في مكةوجدة بالنسبة للغربية. وكان أدباء الطائف يجدون في إرسال مشاركاتهم للصحف والمجلات معاناة ومشقة من جراء هذا البعد. إلا أن ذلك لم يثن من عزمهم عن استمرارية المشاركة فقد كنت أسهم بكتابة نصف عمود يومي في جريدة الندوة بعنوان (فكرة اليوم) إضافة إلى الإسهام في الصفحة الأدبية. وكنا نجد من الأستاذين الكريمين الفاضلين صالح وأحمد جمال رحمهما الله كل تشجيع وتقدير. وكان سكرتير التحرير آنذاك الكاتب القدير والصحفي المعروف الأستاذ محمد صلاح الدين الكاتب بجريدة المدينة حالياً وكان على خلق رفيع وتواضع جم وطيب معاملة والمحرك النشط لجهاز التحرير في تلك الحقبة وكنت كثير الصلة بأسرة التحرير وخاصة فضيلة الشيخ المفكر الإسلامي أحمد محمد جمال رحمه الله وكان على خلق وعلم ودين وتواضع وكان بمثابة الموجه لنا نحن الشباب قبل أن يكون مشجعاً. واستمرت مشاركتي بالكتابة في جريدة الندوة بعد تحويل صحافة الأفراد إلى مؤسسات حتى الآن إضافة إلى مشاركاتي في صحف أخرى كمجلة قريش والمدينة وعكاظ والبلاد ومجلة المنهل والرائد. لقد كانت جريدة الندوة مدرسة تخرج فيها العديد من أرباب القلم في شتى التخصصات وظل عطاؤها ثراً على مدى عمرها المديد إن شاء الله في خدمة الوطن والأمة في مجال اختصاصها. ومرت الأيام واستمر قطار النهضة يجوب البلاد تقدماً ونهضة بفضل جهود الدولة وقادتها الأوفياء المخلصين رغبة في اللحاق بركب الحضارة والتطور في شتى مجالات الحياة. وكان للطائف المأنوس نصيبه من هذه النهضة المباركة فقد فتح طريق الهدى وسفلت طريق السيل وغيره من خطوط المصايف وأقيمت الحدائق الغناء والمتنزهات الجميلة في المدينة وضواحيها وكثرت دور النشر والمكتبات الثقافية وحظيت المدينة بوسائل الرقى مما جعلها في طليعة مصايف البلاد ودور العلم بشتى أنواعها وتخصصاتها بفضل اهتمام الدولة ودعمها المستمر وبجهود المسؤولين عنها خلال هذه الفترة وبدعم وتوجيه أصحاب السمو الأمراء الذين تعاقبوا على إمارة مكةالمكرمة رحم الله الراحلون منهم وبارك فيمن هم على رأس العمل ومدهم بعونه وتوفيقه وبجهود ومتابعة معالي محافظ الطائف الأستاذ فهد بن عبدالعزيز بن معمر القائم على نهضتها وتقدمها وتطوير السياحة فيها. وبالله التوفيق.