وُلد الكاتب الإيرلندي جيمس أوغسطين ألويسيوس جويس في دبلن عام 1882م في عائلة عانت من الفقر وانعدام الاستقرار، حيث عاش الكاتب في ثلاثة وعشرين منزلاً مختلفاً قبل أن ينتقل من مدينة دبلن. نشر جويس مجموعته القصصية "Dubliners" أي "أهالي دبلن" عام 1914م وهي مجموعته القصصية الوحيدة. ويتضح هدف جويس من كتابة هذه المجموعة في محتويات كتاب "رسائل جميس جويس"، التي جمعها وحررها الناقد الأدبي الأمريكي وكاتب سير الكتّاب الأيرلنديين جيمس جويس، وأوسكار وايلد، وويليام بتلر ييتس ريتشارد إلمان، إذ إنه أراد أن يُقدم مدينته دبلن إلى العالم لأنها، كما وضح في رسالة إلى ناشره، "لم تُقدم في نص أدبي قط على الرغم من أنها كانت عاصمة أوروبا لآلاف السنين، وثاني أكبر مدينة في الإمبراطورية البريطانية وتكاد تكون أكبر من البندقية بثلاثة أضعاف". تبدو قصص "أهالي دبلن" على السطح كمجموعة سردية تصور لحظات من حياة سكان مدينة دبلن؛ وهذا ما يجعلها متاحة وسهلة الفهم لكافة القراء. لكن عندما يفحص القارئ القصص بعناية يكتشف أنها تحمل أجهزة أسلوبية معقدة ومفاجآت سردية، كما تكشف هذه المجموعة القصصية عن اهتمامات جويس العميقة بواقع المجتمعات البريطانية والأيرلندية في زمنه. من النظرة الأولى إلى فهرس كتاب "أهالي دبلن" نجد أن القصص الخمس عشرة مترابطة مع بعضها من خلال عناوينها. حيث إن موضوعات القصص مترابطة ببعضها، فعلى سبيل المثال، توجد حميمية في الطريقة التي تظهر بها أسماء الشخصيات الرئيسية كعناوين في القصتين: "إيفيلين" و"غريس" ويمكن أن تؤخذ العناوين كمؤشر على أن القصص ستفصل حياة بطلاتها. ويتجلى اهتمام جويس بالعائلة في بعض القصص مثل قصة "الأخوات" وقصة "الأم". إضافة إلى ذلك، لبعض عناوين القصص جانب ديني، حيث يمكن قراءة "الأم" من منظور نصراني كاثوليكي، وقد تُشير "غريس" إلى الترجمة الحرفية للاسم وهي: "نعمة الله". يُحلل جيمس جويس في "أهالي دبلن" مدينته بشكل دقيق ومفصل بدلاً من الاعتماد على التعميم السطحي، وركز على تقديم صورة حية ومحددة لدبلن من خلال قصص سكانها، فكل قصة تُظهر وجهة نظر فردية وشخصية مختلفة وقصة فريدة. ورُتبت قصص الكتاب بطريقة تسلسلية، أي أنها تتبع ترتيباً معيناً وتتصاعد تدريجياً، ويساهم هذه الترتيب في تشكيل صورة المدينة وأهاليها عند القارئ. أشار جويس في رسالته إلى ناشره من كتاب "رسائل جيمس جويس" إلى أنه حاول تقديم دبلن للجمهور عبر أربعة جوانب رئيسة وهي: الطفولة، والمراهقة، والنضوج، والحياة العامة، يعكس هذا الترتيب تطور دبلن ونموها وتغيرها عبر الزمن ويظهر كيف تأثرت القصص بأحوال المدينة وتطورها. هذا يعني أن " دبلن تنمو" في "أهالي دبلن"، وكل شيء في كل قصة بداية من السرد والموضوع، ووصولاً إلى التقنية الشكلية، مُصمم ليدعم هذا الترتيب التسلسلي. كتب جويس أغلب قصص "أهالي دبلن" بعد أن انتقل من مدينة دبلن في عام 1904م، وزار دبلن ثلاث مرات بعد انتقاله منها لكنه لم يعد بعد عام 1912م. جويس كان شديداً في انتقاده لتمسك أهالي دبلن بالعادات والتقاليد الإيرلندية وبتأثير الكنيسة القوي على أفراد المجتمع، لكن على الرغم من امتعاضه من مدينته إلا أنه أثبت مدى اهتمامه الشديد بها عبر تخليدها في كتبه. نقلت الكاتبة الإيرلندية والخبيرة في أدب جيمس جويس فيفيان إيجو في كتابها "منازل دبلن لجيمس جويس وغالواي نورا بارناكل" ما قاله جويس فيما يتعلق بروايته المعروفة "عوليس" والتي تعد نصاً "دبلنياً" أيضاً: "حاولت أن أعطي لوناً ونغمة لدبلن بكلماتي. إذ لا يمكن نقل أجواء دبلن القاتمة والمتلألئة، وأدخنتها المُشتتة، وأجواء حاناتها، وركودها الاجتماعي إلا عبر نسيج كلماتي، والفكرة والحبكة ليست هي الأساس كما يعتقد البعض". يمثل كتاب "أهالي دبلن" بداية تفاعل جيمس جويس مع مدينته بعد أن هجرها وعاش بعيدًا عنها. ويعكس هذا الكتاب اهتمامه الكبير بالمدينة، الذي نتج عن تجربته كشخص غريب عنها، أي أنه كان ينظر إليها من وجهة نظر الغريب؛ وهذا ما أتاح له فرصة رؤية جوانب جديدة وفريدة منها، وهذا ما أثر على تفاعله الأدبي معها في كتاباته. * كاتبة ومترجمة كتاب رسائل جيمس جويس