اعتدتُ أن أُحضِرَ القهوة السعودية والتمر، أو (الحلوى السعودية) كما يحلو للأجانب أن يطلقوا عليها، وذلك في مقرِّ سكني في تمام الساعة الثامنة مساءً. يوجد في هذه الجلسة أخوة من الخليج العربيّ والعرب والمسلمين وبعض الأجانب من جنسياتٍ مختلفة؛ الذين يدرسون أو يُدرِّسون في جامعات مدينة ليدز. من أولئك؛ امرأة من جمهورية الصين تُدعى (جِن)؛ تدرس الماجستير في إدارة الأعمال وكاتِبَة في إحدى الصُحف الصينية؛ تحرص أن توجد معنا، تأنَس بجلساتنا، وتحاول ألا تفوّت جلسة من تلكم الجلسات المسائية، المُفعّمة بالحنين إلى الأوطان والحديث عنها؛ عن تُراثها، تاريخها، لغتها، أصالتها. في بعض الأحايين يتحدث أحد الأخوة -لاسيما من الخليج العربيّ- عن وطنه وتاريخه وإرثه ومكتسباته، وكذلك الإخوة العرب والمسلمون. يتحدث السعوديون بلهفٍ وبشوقٍ وبحبٍ عن وطنهم؛ منذُ تأسيسه عام 1139ه / 1727م، على يدِ الإمام محمد بن سعود -رحمة الله عليه- وعن جهاد التوحيد وجمع الشمل على يد موحّد دولتنا -المملكة العربية السعودية- المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود عام 1351، وما تلاه من قفزات أذهلت العالم؛ أرّخها المؤرخون، وكتبها الكُتّاب، وما زالوا يؤرّخون ويكتبون، ولم يصلوا إلى غور ذلك التقدّم المُذهل في كل المجالات. يتحدث المتحدثون عن رؤيتنا الوطنية 2030، والإعدادات الضخمة لها، وما تحقق من تلكم الرؤية ومكتسباتها، وما المملكة العربية السعودية مُقبلة عليه من استضافة كأس العالم والإكسبو، وما تشهده من حراك اقتصادي واجتماعي وتنمويّ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان -يحفظهما الله-؛ الذي باتَ حديث العالم... صدى الحديث يتردد عن تراث بلدنا؛ من عامِ الشعر، وما تخلله من فعاليات، وكذا عام الإبل، وفعالياته. أولئك الأجانب الذين يجالسوننا يسألونَ بشغفٍ عن ذلك المخلوق العجيب، وسر اهتمامنا به، والحديث عنه، والتغنّي حوله، والأهازيج التي يحدو بها حادو الإبل، وكيف أنّ ذلك المخلوق شارك مشاركة فاعلة في توحيد بلادنا؛ إذ هوَ عنصرٌ فاعل في إحداث تلكم النقلة؛ نتحدثُ عن ناقة الملك عبدالعزيز -رحمة الله عليه- (ريمة)، ومن اعتزازه بها أن كانَ له حلال أُطلِقَ عليه (ريمة) نسبة إلى الناقة الأم. نادي الطلبة السعوديين في مدينة ليدز له مُشاركات فاعلة ودورٌ فاعل في كل المجالات، وكل المناسبات الوطنية للمملكة العربية السعودية، يحرصُ رئيسه الأستاذ صبيّح الصيعري وبعض زملائه بحضور الجلسات التي يكون فيها حديثٌ شائق عن بلدنا -المملكة العربية السعودية- وإبراز مكتسباته وما تحقق من إنجازات. يحضر فعاليات النادي بعض الأجانب؛ مما يُثير فضولهم ويسألونَ عن سرِ ذلك التفاعل من العرب والمسلمين بفعاليات نادي الطلبة السعوديين المختلفة؛ كالعيدين واليوم الوطني ويوم التأسيس ويوم العلم. ومن أولئك؛ تلك الطالبة الصينية (جِن)؛ التي لها اهتمامٌ كبير بِما يدور من أحاديث وقصص وروايات تُبرِز إرث المملكة العربية السعودية وتاريخها. ولقد دارَ الحديث عن العلاقات الممتدة بين العرب وجمهورية الصين منذُ أن بدأ طريق الحرير. ولقد تساءلت الطالبة (جِن) عمّا تضمنته رؤيتنا الوطنية وما تضمنته من تبادل ثقافيّ وتجاريّ مع جمهورية الصين؛ فاندهشت كثيرًا حينما علمت أن مدارسنا وجامعاتنا تُدرّس لغتها؛ بل تخرج أعداداً كبيرة من الطلبة والطالبات يتقنون اللغة الصينية؛ قراءةً وكتابة. أثار ذلك اندهاشها، وتساءلت لِمَ إعلامكم مُقصّر في نشر ذلك. نعم، الإعلام له دور فاعل في ذلك؛ إلا أنّ الآليات قد لم تُحقق الغرض أو الهدف. وَعَدَت أن يكونَ لها دورٌ في نشرِ ذلك في بعض الصحف الصينية؛ إذ هي تعشق العرب، وبالأخص المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال ما سمعته وما قُدِّمَ لها من معلومات. ومما أثارَ إعجاب (جِن)؛ تلكم الاجتماعات التي تسودها الإخوّة والمحبة والإثار والترابط؛ فأُشيرَ لها أنّ المملكة العربية السعودية -حكومةً وشعبًا- يعشقونَ تلكم اللقاءات، ويحرصونَ عليها ويحبونَ وجود الآخر معهم... مثل هذه اللقاءات والاجتماعات والجلسات -خاصةً في بلاد الغربة- هي قوى ناعمة تُعرّف الآخر بموروثنا وعاداتنا وتقاليدنا ولحمتنا الوطنية؛ التي غُرِسَت منذ أمدٍ بعيد. نٍسأل الله أن يُديمّ علينا ذلك... الطالبة (جِن) أحبت لغتنا وزيّنا الوطني وعاداتنا وتقاليدنا؛ أخذت تنقلُ ذلك إلى بني جلدتها؛ بظنّي أنّ هذا من مخرجات الجلسات واللقاءات، وإبانة حضارتنا وتاريخنا وإرثنا، وكذا بناء العلاقات والتواصل مع الآخر.. الطالبة (جِن) إنموذج للتواصل مع الآخر لبناءِ علاقاتٍ قائمة على الودِّ والاحترام.