تسعى جنوب أفريقيا من أجل تعزيز علاقاتها مع جميع الأطراف على الساحة الدولية، يحدوها الأمل في أن تكون صوتا رائدا لجنوب العالم، ويبدو حتى الآن أن هذا النهج يؤتي ثماره. وفى هذا الإطار، عقدت مجموعة "بريكس" للدول النامية قمتها السنوية في جنوب أفريقيا العام الماضي، ومن المقرر أن تحذو مجموعة العشرين حذوها في عام 2025، مما يبرز تصاعد النفوذ الدولي لبريتوريا، حسبما ذكرت وكالة بلومبرج للأنباء. وعززت جهود الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا لتأمين اللقاحات لأفريقيا خلال جائحة كوفيد-19، والمساعدة في التوسط في إنهاء حرب روسيا في أوكرانيا، ورفع قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية بسبب حملتها في غزة، من مكانة جنوب أفريقيا بشكل أكبر، على الرغم من النتائج المتباينة لهذه الجهود. وتؤكد جنوب أفريقيا، التي تواجه عددا كبيرا من المشكلات الداخلية، منذ فترة طويلة تمسكها بمبدأ عدم الانحياز عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية. وفي أكتوبر الماضي، كشف مجلس الوزراء في جنوب أفريقيا عن انضمام هولندا والدنمارك لاتفاقية الشراكة نحو التحول العادل في مجال الطاقة، التي تعد اتفاق تمويل بشأن المناخ يهدف للمساعدة في تحول البلاد بعيدا عن الفحم. وقال مجلس الوزراء في بيان إن الأعضاء الحاليين في الاتفاقية، وهم الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، تعهدوا بضخ 5ر8 مليار دولار لتمويل هذه الخطة . وأضاف المجلس أن الدولتين(هولندا والدنمارك) بجانب إسبانيا وكندا وسويسرا تعهدوا بمساعدة جنوب أفريقيا على تمويل تحولها في مجال الطاقة. لكن توثيق جنوب أفريقيا علاقاتها مع الصين، ورفض إدانة الهجوم الروسي لأوكرانيا، والموقف المناهض لإسرائيل، يثير القلق في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. ورفض النواب الأميركيون، خلال أبريل الجاري، دعوة لإجراء مراجعة فورية للوصول التفضيلي لجنوب أفريقيا إلى الأسواق الأميركية بموجب "قانون النمو والفرص في أفريقيا" عندما طرحوا مشروع قانون معدل من الحزبين في مجلس الشيوخ يقترح تمديد الاتفاق التجاري حتى عام 2041. وكان وزير التجارة والصناعة والمنافسة بجنوب أفريقيا، إبراهيم باتيل، قد أعلن في يوليو الماضي عن طلب بلاده من الحكومة الأميركية النظر في التمديد المبكر لقانون النمو والفرص في أفريقيا (أجوا)، للمساعدة في تحفيز الاستثمارات بجميع أنحاء القارة، وذلك خلال زيارة قام بها مسؤولون من جنوب أفريقيا إلى الولاياتالمتحدة في وقت سابق من نفس الشهر، لبحث الاتفاقية التجارية. ومع ذلك، انتقد النائب الجمهوري من ولاية أيداهو، جيم ريش، جنوب أفريقيا، قائلا إن أفعالها تقوض الأمن القومي الأميركي ومصالح السياسة الخارجية. وفي مارس الماضي، كشفت وكالة بلومبرج للأنباء في تقرير لها عن لقاء وزيرة التعاون والعلاقات الدولية بجنوب أفريقيا ناليدي باندور بمسؤولين في العاصمة الأميركية، في إطار المساعى الرامية إلى تحسين العلاقات مع واشنطن. وفي الوقت نفسه، شارك عدد من المشرعين في رعاية مشروع قانون، ينص على أن حكومة جنوب أفريقيا "لديها تاريخ في الوقوف إلى جانب جهات مسلحة، فضلا عن استمرار جنوب أفريقيا في مواصلة العمل على توثيق علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي". ومع ذلك، أشارت تقارير سابقة إلى استراتيجية للدول الغربية للعمل مع ما تسمى "دول المنطقة الوسطى" مثل البرازيل وفيتنام وجنوب أفريقيا وكازاخستان،ومن بين أهدافها تعزيز الاتصالات رفيعة المستوى وتحسين التنسيق في مشروعات البنية التحتية القائمة وخطط عمل مفصلة لكل دولة يتم اعتبارها شريكا أساسيا. وبحسب مصادر غربية فإن هذه الخطوة تمثل اعترافا بأن الدبلوماسية الودية الصينية واستثماراتها في البنية التحتية في الدول النامية، ومن بينها جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى إمدادات السلاح الروسية وتوفير تكنولوجيا الطاقة النووية والأسمدة تفوقت على نداءات الدول الغربية لتلك الدول من أجل الاصطفاف معها في مواجهة كل من بكين وموسكو. وفي مواجهة هذا الوضع، من الممكن أن يكون هناك تحرك غربي يرمي إلى التخلي عن النهج المحكوم بالقيم الغربية ويتبني نهجا جديدا يعتمد على تقديم مزايا ملموسة لتلك الدول، ومن بينها جنوب أفريقيا، في مجالات مثل التجارة والأمن، كي تعود إلى تبني مواقف مؤيدة للغرب.