بدخول الذكاء الاصطناعي شيئاً فشيئاً في نسيج المجتمع، يوفر لنا تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2024 من جامعة ستانفورد نقطة توقف مهمة للمراجعة في رحلة التحول التي نعيشها. تؤكد نتائج التقرير أن التقدم السريع ليس في تقنية الذكاء الاصطناعي فقط، ولكن في اتساع تأثير هذه الأنظمة في كل ركن من أركان حياتنا أيضاً، من التعليم والرعاية الصحية إلى السياسة والخصوصية الشخصية. أحد الاكتشافات البارزة من مؤشر هذا العام هو الخطوة التي أحرزت في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة الوسائط. هذه الأنظمة، مثل: الجوزاء من غوغل، وتشات (جي بي تي) من الذكاء الاصطناعي المفتوح، التي تعالج النصوص والصور والصوت أحياناً، ليست محض أعجوبة تقنية؛ إنما تذهب بعيداً لتعيد تعريف حدود قدرة الآلات دافعة بها إلى أبعد مدى. على سبيل المثال، تزيد قدرة هذه النماذج باستمرار على أداء مهام معقدة، مثل: التصوير التشخيصي الطبي والترجمة الآنية متعددة اللغات، إضافة إلى التطبيقات التي تعزز الدقة والكفاءة بما يغير وجه الصناعات التقليدية. ومع ذلك، عندما تندمج هذه التقنيات في القطاعات الحرجة، يؤكد التقرير الحاجة لوجود أطر قوية حول تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول. فلم يعد الدفع نحو النماذج التي تحترم الخصوصية، وتضمن الأمن، خياراً بل ضرورة، ويركز التقرير هذا العام خصوصاً على دور الذكاء الاصطناعي في الانتخابات متزامناً مع التزييف السياسي والتحيزات الخوارزمية التي تهدد العملية السياسية، فقد دعا التقرير لاتخاذ تدابير عاجلة لحماية الأنظمة السياسية من سوء الاستخدام المحتمل للذكاء الاصطناعي. كما حظيت الآثار الاقتصادية للذكاء الاصطناعي باهتمام كبير في التقرير أيضاً، في حين أن الذكاء الاصطناعي يعزز الإنتاجية، لا تزال مخاوف النزوح الوظيفي بسبب الأتمتة قائمة، يشير التقرير إلى أن استمرار تطور الذكاء الاصطناعي يتطلب تطوير استراتيجيات القوى العاملة، مع التأكيد على أهمية إعادة صقل المهارات وضمان مشاركة منافع تقدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع اجتماعياً. إضافة لذلك، لا يتردد التقرير من معالجة التأثير البيئي، حيث يزيد الطلب على أنظمة أكثر قوة، مما يرفع من استهلاكها للطاقة، يدعو التقرير إلى ممارسات أكثر استدامة، ويسلط الضوء على ضرورة مواءمة مجال الذكاء الاصطناعي مع الأهداف البيئية العالمية. في مجال التعليم، يعرض التقرير ما لدمج أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم من أثر في تحويل الأساليب التربوية، يمكن أن تحدث قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم المخصص الذي يوفر تفاعلاً وقتياً ثورة في النتائج التعليمية، مؤدياً لتعليم عالي الجودة ومصمماً خصيصاً لتلبية الاحتياجات الفردية. يمثل تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2024 دليلاً شاملاً لحالة الذكاء الاصطناعي، مقدماً منظوراً متوازناً لإمكاناته ومزالقه، بينما نقف عند مفترق طرق، من الضروري تسخير قدرات الذكاء الاصطناعي بمسؤولية وشمولية، لمنع القلة المتنفذة من احتكار هذه الأدوات القوية، وإتاحتها ليستفيد منها المجتمع بكل شرائحه.