انتشرَت خلال الأعوام الأخيرة ظاهرة المُتحدّثين في مَيدَان «التنمية الذاتيَّة» وأحيانًا «التنمية البشريَّة» على اختلاف مجالاتها، وبنظرةٍ موضوعيَّة إلى هذه الظاهرة رُبما يُمكننا القول إنها -كأي ظاهرةٍ أُخرى- لها أوجُهها الإيجابيَّة المُتمثلة برفع مُستويات الوعي بين الناس، ودعم معنوياتهم بالأمل، وتوضيح بعض ما غاب عنهم من جوانب الحياة، والمُساعدة على توسِعة مدى رؤيتهم للصورة العامَّة خلال ظروف تعاملهم مع الآخرين ومن ثم التحسين من قدرتهم على تفهُّم الواقع وشخصيَّاته المُحيطة بهم، ما يؤدي إلى تقليل تأثر مشاعرهم بالسلوكيَّات والأحداث التي تبدو في ظاهرها سلبية، ومن ثم وقاية عافيتهم النفسيَّة والجسديَّة من الأزمات المُترتبة على مواجهة الضغوطات النفسية اليوميَّة. بالمُقابل لا يسعنا إغفال الأوجُه التي قد تكونُ سلبيَّة لتلك الظاهرة، أبرزها ظهور فئات غير مؤهَّلة مُتطفلة على هذا المجال، لا سيما وأن محدودية القيود على ثورة الإعلام الجديد المُتمثلة بوسائط التواصل الاجتماعي الإلكترونيَّة التي فتحت أبواب تسلل المعلومات غير الموثوقة على مصاريعها لكُل ذي لسانٍ يملك مهارة التأثير على مشاعر عامَّة الناس مُستعينًا بالصوت والصورة، وكثيرًا ما صُدم جمهور المُتأثرين بهؤلاء بافتضاح أمر بعض الخفايا المُتعلقة بحقيقة حياتهم الواقعيَّة التي يعيشونها، وكيف أنها بعيدة عن تلك الجنَّة الدنيويَّة التي يصورونها للمُستهدفين بتأثيرهم، أما بداياتهم فأبعد ما تكون عن النزاهة المِثاليَّة التي يُطالبون بها أشخاصًا يجتازون اليوم مثل ظروفهم في الماضي.. منهم من يبيع أحلام الوصول إلى الثراء بينما حسابه المصرفي ومحفظة جيبه خاويان، ومنهم من يسوّق لحلم الوصول إلى شريك الحياة المِثالي بينما علاقاتهم الزواجيَّة مُدمَّرة أو لم ينجحوا في الوصول إلى شريك الحياة الذي يُغذّون أحلام الآخرين به ويأخذون مالاً مُقابل تغذية تلك الأحلام التي لم تتحقق لهم كي تكون قابلة للتصديق! حبل الكذب الذي كان في الماضي قصيرًا أصبحَ اليوم أقصر كثيرًا بعد أن صار الجمهور يُفكّر، ويُجرّب، ويُعلن عن رأيه صراحة بتلك المُنتجات الكلاميَّة الوهميَّة حين لا تؤدّي إلى النتيجة التي تُرضي طموحه، فهل سيستمر سوق الأوهام قائمًا أم سيتمكن الأفراد من التمييز بين المُحتوى الذي يستحق ثمنه والمحتوى الذي لا يستحق إهدار الوقت عليه وإن كان دون مُقابل مادي؟