استيقظ بنو إسرائيل يوماً على جثة ملقاة أمام أحد البيوت، فتنازعوا بينهم أمرها، وتراشقوا التهم هذا يلقيها على ذاك، وذاك يلقيها على ذلك، حتى قرروا أخيراً أن يحتكموا إلى موسى عليه السلام، فأمرهم أن يذبحوا بقرة، ويضربوا الميت بلسانها، فيمتثل حيا، ويخبر عن قاتله ويموت مجددا! تأمل الآية: بقرة، هكذا نكرة، أي أن أية بقرة تفي بالغرض، ولكن اليهود ككل زمان ومكان، يعبدون المال، فجاؤوا إلى موسى عليه السّلام يسألونه أن يبين لهم بعض صفاتها، فقال لهم: لا هي كبيرة، ولا هي صغيرة، وترك لهم الباب واسعا، ولكنه أضيق قليلا مما كان، ولكنهم أبوا إلا أن يضيقوه على أنفسهم أكثر، فسألوه عن لونها، فأخبرهم أنها صفراء فاقع لونها، فضاق الباب أكثر، بقرة صفراء: لا كبيرة ولا صغيرة، فأرادوا أن يضيقوا أكثر، ورجعوا يسألون.. فأخبرهم أنها بقرة معززة مكرمة عند أصحابها، لا تستعمل في الحراثة ولا السقاية! فبحثوا عن بقرة صفراء لا صغيرة ولا كبيرة معززة مكرمة، فما وجدوها إلا عند من أبى أن يبيعها إلا بملء جلدها ذهباً لما علم حاجتهم إليها، فدفعوا الذهب وفارقوه كمن تفارق روحه جسده، وذبحوها وضربوا الميت بلسانها، فقام من فوره وأخبر أن قاتله هو ابن أخيه ووارثه الوحيد الذي استعجل موته لينعم بالثروة من بعده! إن الله عندما يسكت عن أشياء فإنه يسكت عنها رحمة بالناس لا عن نسيان سبحانه. ما كان لك سيأتيك رغم ضعفك، وما لم يكن لك لن تناله بقوتك! تجمع المال من حلال وحرام، ثم نتركه خلفنا للورثة يتمتعون به ونحاسب عليه وحدنا!