لنتفق بداية على أنه لا يمكن لأي أمة أن تنهض، وتزدهر دون أن يكون لديها نظام تعليمي متقدم وقوي ومرن، ولطالما كان التعليم هو الحصان الذي يركض بعربة التنمية، والتجربة اليابانية والكورية في إعادة خلق حضارة من الرماد لم تكن لتتم دون الالتفاف حول التعليم وجعله حجر الأساس الذي قامت عليه نهضاتهم الكبرى. نحن اليوم في المملكة نعيش مرحلة ازدهار لا تشبه أي مرحلة سابقة، حيث وضعت الرؤية مستهدفات استراتيجية ومكنت أبناء الوطن لتحقيقها وبالفعل تحول البلد إلى ورشة عمل لا تهدأ ليواكب أبناؤه التطلعات ويبنون الحلم قطعة قطعة، وبدأنا بالفعل نقترب من الهدف الأول الذي يقع على مسافة ست سنوات؛ العام 2030 حيث القمة الأولى التي سنرى من خلالها جمال ما تم إنجازه خلفنا وما نتطلع لعمله أمامنا حتى نصل لأهدافنا الأخرى. بناء نهضتنا هذه المرة لا يستهدف خططاً خمسية أو خلق حالة إبهار بمنجزات مؤقتة، بل تسعى الرؤية لإعادة هندسة شاملة تستهدف بناءً قوياً مستداماً يستمر لعقود طويلة وتستفيد منه أجيال متعاقبة، ولذلك يجب أن تستوعب الجهات الحكومية هذا الهدف الاستراتيجي طويل المدى وتعمل بناء على مقاييسه، ولعل أهم وأكبر جهة معنية بهذا التوجه الاستراتيجي البعيد المدى هي وزارة التعليم، وذلك لأنها المصنع الذي سينتج الأجيال القادمة الذين هم حراس هذه النهضة وقادتها في المستقبل؛ وضعف قدراتهم أو قوتها محكوم بما نمارسه اليوم في العملية التعليمية، ولذلك يجب على وزارة التعليم إعادة تقييم أساليبها ومخرجاتها باستمرار، بما في ذلك جدوى تقسيم الدراسة إلى ثلاثة فصول وما أدى له من ارتفاع مقلق في معدل الغياب بين الطلاب، فبعد أن كان التغيب عن حصة واحدة من المحظورات الكبرى لدى الأجيال السابقة، أصبح غياب يوم الخميس، وتكرار الغيابات وتواصلها لأيام خصوصاً في الفصل الدراسي الثالث، ممارسات شائعة بشكل مقلق. يجب أن تتعامل وزارة التعليم مع هذا الملف بجدية كبيرة وأن تفتح قنوات حوار مع أولياء الأمور لمعرفة أسباب التغيب، وأن تظهر قدراً أكبر من المرونة، فإذا كانت الفصول الثلاثة والاحتراق التعليمي بسبب طول التقويم الدراسي هي السبب فمن المهم العمل بشكل جدي حلول فورية حتى ولو كانت العودة للفصلين الدراسيين وتكثيف المناهج والبعد عن الطرق التقليدية التي لازالت تؤمن بأن جودة التعليم مرتبطة بطول ساعاته أو زيادة عدد أيامه. وأخيراً، وزارة التعليم بطبيعة الحال، هي الأكثر معرفة واطلاعاً بمدى نجاح أو فشل نظام الفصول الثلاثة، ومدى فاعلية العودة للنظام القديم أو الخروج بنموذج حديث يجمع مزايا النظامين ويتحاشى سلبياتهما؛ لكن الأهم والأكثر إلحاحاً خلال هذه الفترة هو معالجة ظاهرة تساهل الطلاب وأولياء الأمور بالغياب عن المدرسة، هذه الظاهرة غير المسبوقة في نظامنا التعليمي لا يمكن تجاهلها لأنها أول وأهم أعراض وجود خلل كبير في العملية التعليمية يتطلب إصلاحاً عاجلاً وفورياً.