{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} الأصل أن يقول ربنا لأصلبنكم على جذوع النخل، لا أن يقول: في جذوع النخل، لأن الصلب يتم على ظاهر النخلة لا في باطنها، فما البلاغة التي تحويها الآية؟ وما فائدة استبدال «في» بدل «على» على دلالة الآية؟ اتفق الكوفيون والبصريون أن حروف الجر تتناوب، بحيث يمكن أن يحل أحدها مكان الآخر، وعند الكوفيين أن ميزة حروف الجر التناوب ولا ضرورة أن يحدث هذا التناوب إضافة في المعنى. أما عند البصريين فالأصل أن يحل كل حرف جر مكانة، وإذا حدث تناوب فزيادة في المعنى وهذا قول سيبويه وهو الصحيح. كان الصلب بوسيلتين: الأولى أنه تثبت على النخل بالمسامير حتى دخل شي من لحمهم في النخيل الذي صلبوا عليه. والثانية أنه ربطهم بالحبال حتى اختلط لحمهم بجذوع النخل، فصاروا بهذا المعنى فيها لا عليها. إنها براعة السبك لإيضاح الدلالة، والدلالة على وحشية الصلب، فلم يكن مجرد تثبيت عامر، بل طلب صاحبة التمثيل بأجساد السحرة، حين صلبهم. والدرس الأهم الذي يجب أن تتعلمه من الآية: أن لا نفقد الأمل بأحد، فالسحرة الذين جاؤوا لنزال موسى صباحاً صُلبو مساء ولم يتركوا دين موسى، وأن لا نفرط الأمل بأحد. فالذين عبروا مع موسى البحر ما لبثوا أن عبدوا العجل. القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء. (رسائل من القرآن)