في المبنى الجديد لصندوق الاستثمارات العامة، وراء زجاج غرف الاجتماعات الأنيقة، وعلى الطاولات البيضاويات أوراق مبادرة أصبحت حديث العالم في دقائق، الموضوع المطروح جريء: إنشاء صندوق ضخم بقيمة 40 مليار دولار مخصص لاستثمارات الذكاء الاصطناعي، تناقلت وسائل الإعلام أخبار هذا المشروع الجريء على نطاق واسع، مما جذب انتباه نخبة وادي السيليكون، وفي مقدمتهم شركة رأس المال الاستثماري المرموقة أندريسن هورويتز. قبل أسابيع، انتشرت الأخبار أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي المفتوح، يبحث عن تمويل طموح للغاية لجمع مليارات الدولارات لتعزيز القدرة التصنيعية العالمية للرقائق، مع التركيز خصوصاً على أشباه الموصلات اللازمة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة. تسعى مبادرة ألتمان إلى معالجة القيود الحالية على تطوير الذكاء الاصطناعي، وفي المقام الأول النقص في الرقائق المتخصصة المطلوبة لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي بفاعلية. دخول صندوق الاستثمارات العامة في امتلاك شركات في الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يقرأ بمعزل عن خطواتها الاستثمارية الأخرى، التي من أهمها في هذا الشأن شركة آلات التي أسست مؤخراً. النقص الذي تشعر به شركات الذكاء الاصطناعي في البنية التحتية، الذي يزيد من حدته القيود التي وضعتها الولاياتالمتحدة، يجعل الاستثمار في هذا المجال ضرورياً ليس للمملكة فحسب، إنما للعالم. وسط المحادثات الاستراتيجية التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة، تبدأ رؤية المستقبل في التبلور، لن يكون الأمر فقط بأن يصبح الصندوق المستثمر الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي؛ بل هو بيان طموح بأن تكون المملكة مشعل إضاءة للمعرفة في العالم، يعمل الصندوق اليوم بقيادات سعودية على تحويل مجرى التاريخ باستثمارات واعية استجابة للطلب العالمي. حجم الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي يتضاعف بسرعة، حيث أصبح من غير المستغرب أن تجمع شركة تمويلاً بالمليارات في سنة واحدة، بعد أن كان سقف الاستثمارات لا يتجاوز مئات الملايين إلى وقت قريب. بل إن حجم التبرعات التي تجمع، أو يسعى لجمعها المؤسسون، مثل التي تهدف إلى تعزيز إمدادات العالم من رقائق أشباه الموصلات، لم يسبق لها مثيل في عالم الشركات. مقارنة بالطلب الذي يزيد مع الوقت، لا يبدو أن الاستثمار الذي يخطط له الصندوق مفاجئاً، وإن وصفه أكثر من محلل بالجرأة. المرحلة التي نعيشها تقنياً تاريخية بالمقاييس كلها، إنها مرحلة تشبه العقود التي أنتجت فيها الكهرباء واخترعت فيها المحركات النفاثة وصنعت بها المفاعلات النووية، على خلاف المستثمرين الآخرين الذين ربما كان هدفهم تنمية مواردهم المالية، تسعى المملكة من خلال مواردها المالية إلى دفع عجلة التنمية، حيث إن التنمية ومواردها المالية تدوران في عجلة واحدة للتقدم وصولاً إلى هدفها المنشود وهو تحقيق نهضة جديدة تكون نبراساً للأجيال.