تتنوع مظاهر وعادات شهر رمضان المبارك من بلد إلى آخر في العالم الإسلامي، وليد شريف -سفير الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لدى المملكة- يحدّثنا عن رمضان في الجزائر قديماً وحديثاً وعن العادات والتقاليد الجزائرية خلال هذا الشهر المبارك، وفيما يلي نص الحوار. خاصة ومميزة * ماذا بقي من ذكريات سنواتكم الأولى في الصيام؟ * بداية أتقدم من خلال جريدتكم الموقّرة بالتهنئة الخالصة بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل إلى المملكة العربية السعودية قيادةً وحكومةً وشعباً وإلى سائر المسلمين في العالم كافة، سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يعيده على الجميع باليُمن والبركات والأمن والأمان، وجواباً عن سؤالكم أتذكّر جيداً البدايات الأولى مع الصيام وأنا صبي صغير كغيري من أتراب طفولتي كيف كنّا نستقبل الشهر الفضيل لما كان يحمله من أجواء خاصة مختلفة عن باقي الأيام الأخرى، حيث كنّا نتسابق ونتفاخر فيما بيننا ممن يصوم أكثر أياماً من غيره من دون أن نعي ما نقوم به، لكن الأجواء المصاحبة له كانت تجذبنا وتحفّزنا على الصيام، وأتذكر أيضاً أنه جرت العادة في البيوت الجزائرية في ذلك الوقت الاحتفال بأول صيام للأطفال، فيتم تكريم الطفل الصائم في أول تجربة له بهدية رمزية في أجواء احتفالية عائلية، تشجيعاً له على صبره وامتناعه عن الأكل والشراب طيلة اليوم لتعويده وتهيئته على صيام رمضان كاملاً مستقبلاً، أمّا بالنسبة للأجواء الرمضانية قديماً فإنها كانت خاصة ومميزة، تجمع بين العبادة والمتعة والترفيه، فكانت تبدأ قبل أيام من حلول شهر رمضان وبالتحديد من بداية شهر شعبان استعداداً لاستقباله في أجواء دينية وروحية مفعمة بالإيمان كصيام النوافل بحسب الاستطاعة، ولا ننسى لجوء الأسر إلى تجديد الأواني المنزلية مع كل رمضان جديد والشروع في عملية تنظيف للمنازل وهناك من يعيد طلاء منازلهم من الداخل باللون الأبيض، كل ذلك يتم في أجواء تليق بمكانة الشهر الفضيل. لقاءات عائلية * كيف هي أجواء رمضان في الجزائر؟ * مع دخول رمضان في أيّامه الأولى تبرز أجواء أخرى ومن مظاهرها إقبال الناس على المساجد تجديداً للإيمان وتقرباً إلى الله عز وجل، ومن مميزاتها أيضاً الإقبال على الأسواق الشعبية خاصةً في الفترة الصباحية لاقتناء حاجياتهم من السلع الضرورية، كما وتقام اللقاءات العائلية التي تكون عادة بعد أداء التراويح حيث تلتقي العائلات في مجلس واحد يسمى ب"اللمّة" أو "القعدة" في أجواء عائلية دافئة وعادة ما تكون في منزل كبير العائلة يتجاذب فيها الحضور أطراف الحديث في شتى مناحي الحياة على وقع أكواب القهوة والشاي وحلويات رمضانية مثل "قلب اللوز" و"الزلابية"، وهي من العادات القديمة التي بقيت راسخة إلى يومنا هذا، لما فيها من الحفاظ على الترابط الأسري بين العائلات الجزائرية، فيما تفضل بعض العائلات الالتقاء لمتابعة البرامج التلفزيونية الرمضانية من مسلسلات دينية وبرامج الكاميرا الخفية أو الكوميديا، بينما يفضّل بعض الرجال قضاء سهراته مع أصدقائه خارج البيت العائلي في ممارسة لعبة "الدومينو" وهي اللعبة المفضلة لدى كثير من الجزائريين، وهناك من يفضل حضور نشاطات ترفيهية تُقام بمناسبة الشهر الكريم بعد صلاة التراويح. تجربة جديدة * متى كان أول رمضان تصومونه خارج البلاد؟ - أول رمضان صمته خارج البلاد كان في فرنسا، وتحديداً في العاصمة باريس، وذلك لالتحاقي بعملي الجديد لأول مرة بعيداً عن الأهل والأقارب، حيث كانت تجربة جديدة بالنسبة لي في بلد غربي بيئته غير بيئتنا، فالمظاهر والأجواء الرمضانية فيه شبه منعدمة أو أقل مما قد اعتدت عليها طوال السنوات السابقة في بلدي، بالقرب من الأهل والأصدقاء، وهو ما كان يشعرني كل مرة بالاشتياق والحنين إليهما، أضف إلى ذلك أن ظروف الصيام كانت نوعاً ما صعبة. بُعد اجتماعي * ما العادات والتقاليد الجزائرية خلال شهر رمضان المبارك؟ - من بين العادات والتقاليد الجزائرية السائدة حالياً والتي نعتبرها ذات بُعد اجتماعي تضامني نذكر منها على سبيل المثال ما دأبت عليه السلطات المحلية الجزائرية من تخصيص "قفّة" مع كل شهر رمضان تسمى ب"قفّة رمضان" توزع على الفئات المستحقة والأسر المتعففة الفقيرة على مستوى كل بلدية في الجزائر، ويمكن ذكر أيضاً "مطاعم الرحمة" التي تنتشر في مختلف أرجاء الوطن على مدار شهر كامل، وبالمناسبة فإن كثير من المطاعم الشعبية تتحول إلى مطاعم مجانية، فالبعض منها تتكفّل بتمويلها والإشراف عليها السلطات الجزائرية عن طريق الهلال الأحمر الجزائري، فيما تتكفّل جمعيات خيرية بالبعض الآخر منها من خلال الإشراف والتنظيم والإسهام المالي فيها ومن خلال تطوع ودعم بعض المحسنين وميسوري الحال ضمن مبادرات إنسانية تسعى من ورائها تجسيد روح التكافل الاجتماعي، أيضاً هناك عادة "الوزيعة" وهي إحدى عادات التكافل الاجتماعي القديمة التي ما زالت راسخة لدى الجزائريين ومنتشرة في عدد كبير من المناطق في الجزائر، حيث يقوم أعيان المنطقة والمقتدرون مادياً بجمع مبالغ مالية وبمشاركة مختلف العائلات لشراء بقرة أو ثور أو عجل أو أكثر من ذلك، حيث يتم نحرها وتوزيع لحمها بالتساوي على أهل القرية كلها، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان يحرص أئمة المساجد على ختم القرآن ومنح جائزة لحفظة القرآن الصغار تشجيعاً لهم. سيّد المائدة * ما الأطباق المشهورة بها المائدة الرمضانية الجزائرية؟ - يمكن القول إن حساء "الشربة" يعتبر سيّد المائدة في رمضان لدى أغلب الجزائريين بدون منازع، وهو أول ما يبدأ به الصائم إفطاره طبعاً بعد التمر واللبن، وتختلف تسميته ومكوناته من منطقة إلى أخرى ففي الغرب الجزائري يُطلق عليه حساء "الحريرة"، وفي الوسط يُطلق عليه حساء "شربة فريك"، بينما يُطلق عليه في الشرق الجزائري حساء "لجاري"، إلى جانب الأطباق التي يشتهر بها المطبخ الجزائري نذكر منها "طبق المسفوف" وهو عبارة عن "الطعام" أو "الكسكسي" كما يسمونه في بعض المناطق ويُفضّل الجزائريون تناوله كوجبة في السحور مع اللبن والزبيب، وهو من الأكلات الشعبية المشهورة والمفضلة لديهم، بالإضافة إلى "طبق الشخشوخة" و"طبق الريشتة" و"طبق لحم لحلو" و"طبق المثوّم" وهو عبارة عن كرات لحم ومرق، و"طبق الدولما" وهو عبارة عن محاشي بأنواعها -الكوسة، البطاطة، الكرومب، القرنون-. مبادرات مُيسّرة * يحظى العُمّار والزوار خلال شهر رمضان المبارك بمنظومة خدمات متكاملة لتسهيل أداء عباداتهم بكل يسر وسهولة واطمئنان، كيف يرى سعادتكم عناية حكومة المملكة بالحرمين الشريفين خصوصاً في هذا الشهر الكريم؟ - رغم الفترة القصيرة التي قضيتها في المملكة إلاّ أنه يمكن القول وبدون مبالغة إن المملكة قطعت أشواطاً كبيرة في تقديم مختلف الخدمات للمعتمرين والزوّار، وقد لمسنا ذلك في الواقع المشهود من خلال تطوير الأنظمة وتوظيف "التكنولوجيا" لتيسير أداء مناسك العمرة، بإطلاقها للعديد من المبادرات الميسّرة لفائدة قاصدي الحرمين الشريفين، فعلى سبيل المثال إطلاق منصة "نسك" بلغات متعددة وهي تجربة رائدة تشمل كل الجوانب المرتبطة برحلة ضيوف الرحمن من الحصول على التأشيرات الإلكترونية إلى حجز أماكن الإقامة والمواصلات والاطلاع على المعلومات التوعوية والإثرائية عن مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وهذا كله يُحسب لصالح السلطات السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، اللذان يسهران على تقديم خدمات مميزة لفائدة ضيوف الرحمن.