يؤكّد جاك دي فيلامون أنّ الشرق في أذهان الأوروبيين لم يكن سوى عالماً من السحر والجمال، سعوا إلى استكشافه عبر رحلاتهم الشخصية والعسكرية، إلا أن البعض أساء فهم هذا الشرق نتيجة للأنماط الذهنية الجاهزة التي تكونت عنه على مر الأجيال. فقال: "يتميّز شهر مضان في الشرق بالتقوى والإيمان، ما يزيد هذه الليالي حلاوة ومذاقاً خاصّاً المسحراتي والمدفع والولائم البيتية، وجلسات الذكر وغيرها من مظاهر الاحتفالات". وقدم بحثاً استشراقيّاً عن الصيام الفريد من نوعه -رغم أن الصيام معروف في جميع الأديان بدرجات مختلفة -جاء فيه أنه الامتناع عن الطعام والشراب والملذّات الحسية، ويتعدّى معنى الصيام الامتناع عن الطعام والشراب إلى الامتناع عن كل ما يسيء إلى الآخرين لأن دلالاته عميقة في الإيمان والإسلام. وقال: "الصيام عند المسلم يساعد على التربية الصحيحة، ويؤهله للقيام بأعمال خيرية أخرى، ويوحّد إيمان المسلمين، لأن جوهر الصيام ترويض البدن وتزكية النفس وتقوية الإيمان، إضافة إلى تزويد الصائم بفوائد تقشفية وتعظيم القدرة على ضبط النفس، وسيطرتها على الجسد"، وقد سجل هذه الدلالات العميقة لمفهوم الصيام من خلال رؤيته الموضوعية لواقع رآه بأم عينيه في أجزاء من العالم العربي. ولم يبخل الرحالة الفرنسي بوصف المدن العربية في أثناء شهر رمضان بأنها تتغيّر ملامحها كليّاً من خلال ممارسة العادات والطقوس التي تمنح رمضان نفحة خاصّة والتي توارثها الأهالي عبر الأجيال، وأصبحت جزءاً من المظاهر الدينية والحياتية الملازمة لهم. كما شرح جاك دي فيلامون أنّ الديني اختلط بالاجتماعي، وترسّخ في نسيج المجتمع، وأصبح جزءاً من مباهجه وأفراحه واحتفالاته. وأن رمضان ما هو إلا النبض الحيّ في وجدان الصائم إذ يمدّه بطاقة روحانية تجعله يتغلّب على متاعب الحياة بكلّ قساوتها، وذلك ما تجسّد المواكب الاحتفاليات الرسمية والشعبية في كلّ مكان.. ومن ملاحظات الرحالة الفرنسي الحالة التي تعيشها المدن العربية في رمضان، وما تزخر به من كرم وسخاء وتوزيع الطعام على الفقراء، والتعاون بين طبقات المجتمع من دون تفريق في جو يسوده الخشوع والصلوات وقراءة القرآن. المصدر: (كتاب: ترحال في صحراء الجزيرة العربية للكاتب جاك دي فيلامون)