نحمد الله ونشكره أن هلّت علينا نفحات شهر رمضان الكريم، الذي نبارك لولاة أمرنا حلوله، ولشعبنا الطيب ولكافة المسلمين في كل مكان داعين الله أن يتممه لنا كاملاً غير منقوص، وقد أعاننا فيه على الطاعة والعبادة والصيام والقيام، وسبحان الله كم لهذا الشهر الكريم من روحانية تميزه عندنا عن بقية كل الشهور، إنه سيد الشهور حقاً، فمن أجله تجد نفوس المسلمين في كل مكان، تشتاق لقدومه، وتسعد كثيراً وتصفق فرحاً لحلوله، فهو شهر كريم مبارك، من أفضاله "أن أبواب الجنة تُفتح، وأبواب النار تُوصد، وفيه تتبارك الأعمال، وتكثر قراءة القرآن الكريم، وتتضاعف الحسنات، وتقل السيئات، ويقبل الناس على ربهم في همة وحماس ومنافسة ونشاط، وهم في جد وعزم على صلوات القيام والصيام وتقديم الصدقات والتنافس في ميادين الأعمال التطوعية،لأن المسلم يدرك بأنه مع شهر كريم، شهر لا يأتي إلا مرة في كل عام، شهر حافل بعطايا الله من الأجر والثواب" فأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره الفوز بما يتمناه كل مسلم العتق من النار" نسأل الله أن نكون جميعاً ممن يفوز بتلك الرحمات والهبات الإلهية. فهنيئاً لمن أدرك تلك المضامين السامية لشهر رمضان، ونافس مع من هم حوله على كسب الأجر والثواب، وفي قرارة نفسه، أن هذا ربما قد يكون آخر رمضان قد يمر عليه في حياته، فأين الذين كانوا معنا بالأمس، أين من كانوا معنا قبل رمضان بأيام، بل أين من كانوا معنا في رمضان الفائت، ألم يكونوا إلى جوارنا ومعنا وحولنا، ألم نكن نجالسهم نحادثهم نحاورهم، نتزاور معهم، ألم نفطر سوياً وندعو لهم ولنا ولبعضنا بعضا واليوم هم بعيدون عنا، على الرغم من قربهم منا، لكنهم هناك تحت الثرى يذكرني ذلك الوضع قول الشاعر (يا نائياً عني بمتر واحد .. الآن وسعّت المسافة بيننا) وقول ابن الرومي وهو يرثي ولده محمداً: (طواه الردى عني فأضحى مزاره .. بعيداً على قربي قريب على بعدي) ورمضان بما فيه من كنوز الطاعة والعبادة والخير الكثير، هو سوق فيه تعرض بضائع وسلع العمل الصالح يربح فيه من ربح ويخسر فيه من خسر، ورمضان بذلك كفيل بأن يصلح بأمر الله فساد قلوبنا وتقصيرنا، لكن هذا مشروط بعزيمة كل واحد يتمنى أن يعود إلى الله، ليستذكر أن الحياة رحلتها قصيرة، وأن اليوم الذي يرحل لن يعود، وأن العمر عندما يكبر فلن يصغر ثانية، فالمهم أن تكون لدى الإنسان المسلم العزيمة والإصرار والإرادة في اقتناص فرصة رمضان. إنها لدعوة صادقة مفادها ليقوي كل واحد منا أدرك رمضان من عزيمته، وليكثر من الأعمال الصالحة ليملأ بنك عمره، فتبقى رصيدا له في الآخرة ولا يضّيع الأوقات فيما لا ينفعه، ولا يهدره بدون فائدة في مشغلات وملهيات لا فائدة منها ولاطائل، لأن شهر رمضان ثمين جداَ في حياة المسلم وهناك "سرّاق لرمضان" إذا ما سمحت لهم بأن يسرقونه منك، فلن يتأخروا، وما أعذب ما قاله الشاعر المصري المعاصر حسن الحضري تصفو النفوس لربها ويزينها نور من الإيمان والإجلال تسمو على اللذات طيلة يومها فلها بدرع الصبر خير مجال الصائمون القائمون الراكعون الساجدون لربك المتعال العاكفون على المكارم والتقى والتاركون ذميم كل خصال فاغنم من الأعمال صالحها فما. يبقى لمغتنم سوى الأعمال وليحمد الله كل واحد منّا أن بلغّه الله رمضان، وهو في أتم الصحة والعافية ، فالأيام تمر سريعة، وربما بعضنا لا يزال يستذكر بعض أحداث رمضان الفائت، وكأنها حدثت بالأمس القريب وليس قبل عام، فإدراكنا لرمضان نعمة ربانية، ومنحة إلهية، وبشارة خير نبشر بها، فكم لأجله تتساقط الدموع، وتطرب القلوب فرحا على أن بلغنا الشهر ونحن على قيد الحياة، لأن بداخلنا آمال عراض، بأن الله الذي يعلم أننا قد نوينا أن نقيم ليالي رمضان، ونصوم نهاره، ونقرأ كتابه الكريم، ونستن بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لن يخيب رجانا فيه الفوز برضوانه وجنانه، ولن تضيع جهودنا إذا ما سخرناها بصدق وقدمناها بإخلاص وعزم، تقبل الله طاعتكم ودعاءكم وصيامكم وقيامكم وصالح أعمالكم.