إن الواصف للجنة مهما وصف، والمتخيل لها مهما تخيل فلن يأتي على شيء مما فيها، فضلاً عن بعضه، وفضلاً عن كله، فليس الخبر كالمعاينة، وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي الجنة كل ما يريده المرء ويتمناه، بل وفوق ما يتمناه، وله فيها أيضًا ما تشتهيه نفسه وتلذ به عينه. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى سدرة المنتهى بعد تجاوز السماء السابعة ثم إن رائحة هذه الجنة تشم عن بعد وتشتاق إلى أهلها وأهلها يشتاقون إليها وتقترب منهم ويقتربون منها ويشمون رائحتها عن بعد ويزفون إليها معززين مكرمين يتقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ الجنة لا تفتح لأحد قبله، فيطرق الباب فيستأذن فيؤذن له فيدخل. إذا دخلوها سلمت عليهم الملائكة عند دخولها، وأعظم من ذلك وأجل فتحيتهم يوم يلقون ربهم سلام. عندما يدخلونها فوجوههم بيضاء مسفرة ضاحكة مستبشرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، نزع من صدورهم الغل، أزيل عنهم التشاحن والتباغض والاختلاف، قلوبهم متآلفة كأنها قلب رجل واحد، طولهم عند دخولها ستون ذراعا في السماء. إذا دخلوها وجدوا فيها أنهارًا كثيرة، وجدوا فيها أنهارًا من ماء غير آسن، وأنهارًا من لبن لم يتغير طعمه، وأنهارًا من خمر لذة للشاربين، وأنهارًا من عسل مصفى، وفيها كذلك النيل والفرات وسيحان وجيحان، وجدوا كذلك فيها نهر الحياة، الذي يلقى فيه من خرج من النار مسودًا محترقًا فيُلقى في النهر فيرجع أجمل ما كان وأحسن مما كان. وجدوا كذلك الحوض والكوثر، وحوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، وعدد آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا. وجدوا روضات الجنات، والحدائق، وروحًا وريحانًا وجنة نعيم. وجدوا القصور التي لا يعلم حسنها وجمالها إلا الله فقد بنيت بالذهب والفضة، آنيتها وصحافها وقدورها وقواريرها وما فيها من ذهب وفضة. وكذلك فهنالك المساكن والبيوت والغرف والخيام الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً للمؤمن فيها أهلون لا يراهم الآخرون. المصدر: كتاب وصف الجنة تأليف: مصطفى بن العدوي