عدّد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينةالمنورة الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي, موجبات ورود حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم في موقف المحشر، والموانع التي تحرم أقواماً ورودَ الحوض الذي أنعم الله به على نبيه عليه الصلاة والسلام لسقيا أمته في ذلك الموقف العظيم. وأوصى فضيلته كل امرئ مسلم بإصلاح دنياه؛ بكسب الحلال وإنفاقه في أبواب الخير الواجبة والمستحبة والمباحة, وأن يجعل هذه الدنيا زاداً إلى دار النعيم؛ فلا يغترّ بمباهجها, ولا تفتِنه عن الآخرة، وأن يعمل لدنياه وآخرته, لقوله عليه الصلاة والسلام: ليس خيركم من تَرَك آخرته لدنياه, ولا مَن ترك دنياه لآخرته".
وأورد حديثاً عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا الدنيا والآخرة؛ فقال بعضهم: "إنما الدنيا بلاغ للآخرة, وفيها العمل وفيها الصلاة وفيها الزكاة, وقالت طائفة منهم الآخرة: فيها الجنة, وقالوا ما شاء الله؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليمّ؛ فأدخل أصبعه فيه؛ فما خرج منه فهو الدنيا)، رواه الحاكم في المستدرك.
وقال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبته التي ألقاها اليوم بالمسجد النبوي بالمدينةالمنورة: "إن الكل يعلم يقيناً أنه مرتحل من هذه الدنيا، وتارك ما خوّله الله في الدنيا وراء ظهره, لا يَصحبه إلا عمله؛ إن خيراً فخير، إن شراً فشر؛ فإذا كان حال كل أحد منتهياً إلى هذه الغاية, وقادماً على هذا المصير، وجب عليه أن يُقدِم على ربه بأفضل ما يقدر عليه من العمل الصالح؛ فلا وسيلة بين العبد وربه إلا به, قال الله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تُقرّبكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون}.
وأوضح "الحذيفي": "فليكن همك أيها المسلم الفوز بالشرب من حوض النبي محمد سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؛ فهو أول شراب أهل الجنة؛ فمن وفّقه الله ومنّ عليه بالشرب من هذا الحوض فلا خوف عليه بعد ذلك, ومن كان ممن يرد على النبي صلى الله عليه وسلم لحوض يسّر الله عليه الأهوال قبل ذلك؛ مبيناً أن الإيمان بالحوض إيمان باليوم الآخر، ومن لم يؤمن بالحوض فلا إيمان له, إذ كان الإيمان لا يفرّق بينها؛ فمن يؤمن بركن من أركان الإيمان فقد كفر بها جميعاً.
وبيّن: "الحوض كرامة من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, تشرب منه أمته في أرض الحشر وموقف الحساب يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقصره الله على المؤمن؛ إذ يغشى الناس في هذا اليوم في موقف الحساب من الكربات ما لا يُطيقون ولولا أن الله تعالى أعطى أبدانهم قوة التحمل والبقاء لماتوا أجمعين, ويصيبهم في موقف الحساب الظمأ الشديد الذي يحرق الأكباد, ويُشعل الأجواف عطشاً شديداً لم يظمأوا قبله مثله قطّ, ويُكرم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالحوض لتشرب منه أمته وهو صلى الله عليه وسلم قائم بأصل الحوض ينظر إلى أمته ويُسَرّ بذلك أعظم السرور.. وسَعَة الحوض وصفة مائه تواترت بها الأحاديث النبوية، وجاء القرآن بذكره في سورة الكوثر".
وتابع: ولكل نبي حوض؛ فعن سمُرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحاباً من أمته؛ فأرجو أن أكون يومئذٍ أكثرهم كلهم واردة, وإن كل رجل منهم يومئذٍ قائم على حوض ملآن، معه عصا يدعو من عرف من أمته, ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم), رواه الطبراني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن؛ لهو أشدّ بياضاً من اللبن, وأحلى من العسل, وأبرد من الثلج, ولَآنيته أكثر من عدد النجوم) رواه مسلم.
وعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لَآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة الظلماء, آنية الجنة، من شَرِب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة) رواه أحمد ومسلم والنسائي.
وواصل إمام وخطيب المسجد النبوي مذكّراً بفضائل وصفات حوض النبي صلى الله عليه وسلم مُورداً الحديث الذي رواه زيد بن خالد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هل تَدرون ما الكوثر, هو نهر أعطانيه ربي في الجنة، عليه خير كثير, ترِد عليه أمتي يوم القيامة, آنيته عدد الكواكب, يختلج العبد منهم فأقول يا رب، إنه من أمتي؛ فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك"، رواه أحمد ومسلم وأبو داوود.
وبيّن "الحذيفي", أن الحوض أرض واسعة في أرض الموقف يملؤها الله ماءً من نهر الكوثر يصبّ في هذا الحوض ميزابان من ذهب وفضة من نهر الكوثر؛ فلا ينقص هذا الحوض, ويشرب منه كل مؤمن ومؤمنة على شدة ظمأ عظيم؛ فلا يظمأ أحد بعد شربه أبداً.
وقال: إن الذين يَرِدون على النبي صلى الله عليه وسلم الحوض هم المتبعون لسنته عليه الصلاة والسلام, المجانبون للكبائر من الذنوب, قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}.
وأكد أن من موجبات ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم: الدعوة إلى شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، واجتناب البِدَع والمحدثات في الدين والمنكرات في الشرع، والتزام الإخلاص المُنافي للرياء والسمعة وأنواع الشرك، كما بيّن فضيلته أن مِن أسباب الشرب من حوضه: كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم؛ مُذَكّراً بعظمة فوز مَن تَفَضّل الله عليه بورود حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً, وعظيم خسارة مَن حُرم مِن الشرب منه، وطُرد عنه, ولا يظلم ربك أحداً.