عدَّ إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس أن الشباب في الأمة كنزها الثمين وركن حضارتها وأملها المشرق، مشيرا إلى أن مرحلة الشباب مرحلة الفتوة والعنفوان والقوة والحماسة وإن لم تُرشّد هذه الحماسة انقلبت إلى غوغائية وفوضوية وجرت على صاحبها الآهات والحسرات وعلى الأمة الفتن الموبقات والبلايا المهلكات. وبين في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام أن الإسلام أولى الشباب كامل العناية والاهتمام والرعاية لأنهم قلب الأمة النابض وشريانها المتدفق عطاء ونماء، لافتا النظر إلى أن قضية الاهتمام بالشباب ورعايتهم وحمايتهم وتحصينهم إذا كانت مهمة في كل زمان ومكان فإنها تزداد أهمية في هذه الأعصار المتأخرة التي غلب فيها الانفتاح والتساهل وتتابع الغزو الفكري وتعددت قنواته وتنوعت وسائله وآلياته، مبينا أن الإعلام المفتوح وخاصة الفضائي منه أسهم في إذكاء نار الخلل الفكري مما جعل أمن الأمة الفكري عرضة للاهتزاز ومهب الأخطار. وقال معاليه: لقد أوحت هذه الفضائيات وشبكات التواصل والمعلومات للناظرين وكأن هذه الدنيا أصبحت هدفا للفوضى الفكرية والأخلاقية ومسرحا للضياع في مباءات الإغراءات والإباحية مما لا يحكمه دين ولا قيم ولا يضبطه خلق ولا مثل وقنوات أخرى لا تفتأ في إذكاء نار الفتنة بين الرعية والرعاة بدعوى الإصلاح وبين الشباب والعلماء بدعوى النصح والبصيرة وأخرى بدعوى الإثارة والبلبلة "، مؤكدا أن الخلل في الأمن الفكري طريق إلى الخلل في الجانب السلوكي والاجتماعي والفكر التكفيري يسري بقوة في صفوف فئة من شباب هذا الزمان. وأفاد الشيخ عبدالرحمن السديس أن وجود أجيال من الشباب دون حصانة حقيقية فاعلة جريمة في حقهم وحق المجتمع وجناية على الأمة بأسرها؛ وقال :" لذلك كان حقا على أهل الإسلام أن يقوموا بمسئولياتهم في تحقيق هذا الأمر بكل ما أوتوا من إمكانات وأن يغرسوا في نفوس شباب الأمة التوحيد الخالص والعقيدة الصحيحة، كما أن على الآباء والمربين أن يسهموا في تحصين الشباب وترغيبهم في طلب العلم الشرعي الذي يتحقق به العمل وينجي من الزلل إلى جانب حثهم على الالتفاف حول علماء الأمة الراسخين وتحذيرهم من الفتاوى الشاذة والمحرضة على العنف وسفك الدماء المعصومة، مؤكدا حتمية توعية الشباب بالتحديات التي تواجههم في عصر رفع الصهاينة والمعتدين عقيرتهم في انتهاك حرم المسجد الأقصى واستفزاز مشاعر المسلمين وفي زمن طغت فيه الفتن والشهوات من فضائيات وشبكات معلومات ومواقع تواصلات والتي جرت الفتن إلى الأسر والبيوت والمجتمعات فقوضت أركانها وصدعت بنيانها. وطالب إمام وخطيب المسجد الحرام شباب الأمة بالتمسك بقيم الدين وخلقه الرصين والانتقال من أزمات الوعي إلى وعي الأزمات وعدم الاغترار بالثقافات المستوردة والأفكار الدخيلة والمناهج الهزيلة وعدم الانشغال بالأسماء عن المسميات وتحري تحرير المصطلحات على منهج السلف كالولاء والبراء والجهاد والردة والحريات لأن الإسلام الحق هو صانع الحضارة وموئل القيم والفضائل وعدم الاغترار بالشعارات الزائفة البراقة والمناهج الضالة. وبين الشيخ عبدالرحمن السديس أن من أولى ما يجب الاهتمام به في هذه الآونة العصيبة تحصين مدراك الشباب وثقافاتهم بأحكام الحدود الشرعية كتحريم قتل النفس المعصومة وحكم الاعتداء على المعاهدين وأهل الذمة وخطورة أمر التكفير والغلو والتطرف وإطلاق الأحكام جزافا وترويع الآمنين وانتهاك حرماتهم وسلب أموالهم والتحذير من آفة العصر المخدرات وتعاطيها وترويجها حماية لهم ولمجتمعاتهم وأمتهم من أنصاف المتعلمين وسهام المغرضين وشبك الخصوم الحاقدين. وفي المدينةالمنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، عن موجبات ورود حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم في موقف المحشر، والموانع التي تحرم أقواماً من ورود الحوض الذي أنعم الله به على نبيه عليه الصلاة والسلام، لسقيا أمته في ذلك الموقف العظيم. وأوصى فضيلته كل امرئٍ مسلم إلى إصلاح دنياه، بكسب الحلال وإنفاقه في أبواب الخير الواجبة والمستحبة والمباحة، وأن يجعل هذه الدنيا زاداً إلى دار النعيم، فلا يغترّ بمباهجها، ولا تفتنه عن الآخرة وأن يُعمِل دنياه وآخرته، لقوله عليه الصلاة والسلام : ليس خيركم من ترك آخرته لدنياه، ولا من ترك دنياه لآخرته". وأورد حديث عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فتذاكرنا الدنيا والآخرة فقال بعضهم : إنما الدنيا بلاغ للآخرة، وفيها العمل وفيها الصلاة وفيها الزكاة، وقالت طائفة منهم الآخرة فيها الجنة، وقالوا ما شاء الله، فقال صلى الله عليه وسلم : ما لدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليمّ فأدخل أصبعه فيه فما خرج منه فهو الدنيا"، رواه الحاكم في المستدرك. وقال إمام وخطيب المسجد النبوي : أن الكل يعلم يقيناً بأنه مرتحل من هذه الدنيا وتارك ما خوله الله في الدنيا وراء ظهره، لا يصحبه إلا عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فإذا كان حال كل أحد منتهياً إلى هذه الغاية، وقادماً على هذا المصير وجب عليه أن يقدم على ربه بأفضل ما يقدر عليه من العمل الصالح، فلا وسيلة بين العبد وربه إلا به، قال الله تعالى : " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ". وقال الشيخ الحذيفي : فليكن همك أيها المسلم الفوز بالشرب من حوض النبي محمد سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، فهو أول شراب أهل الجنة, فمن وفقه الله ومنّ عليه بالشرب من هذا الحوض فلا خوف عليه بعد ذلك، ومن كان ممن يرد على النبي صلى الله عليه وسلم الحوض يسّر الله عليه الأهوال قبل ذلك، مبيناً أن الإيمان بالحوض إيمان باليوم الآخر، ومن لم يؤمن بالحوض فلا إيمان له، إذا كان الإيمان لا يفرق بينها فمن يؤمن بركن من أركان الإيمان فقد كفر بها جميعاً. وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الحوض كرامة من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، تشرب منه أمته في أرض الحشر وموقف الحساب يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقصره الله على المؤمن، إذ يغشى الناس في هذا اليوم في موقف الحساب من الكربات ما لا يطيقون ولولا أن الله تعالى أعطى أبدانهم قوة التحمل والبقاء لماتوا أجمعين، ويصيبهم في موقف الحساب الظمأ الشديد الذي يحرق الأكباد، ويشعل الأجواف عطشاً شديداً لم يظمأوا قبله مثله قطّ، ويكرم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالحوض لتشرب منه أمته وهو صلى الله عليه وسلم قائم بأصل الحوض ينظر إلى أمته ويسر بذلك أعظم السرور، وسعة الحوض وصفة مائه تواترت بها الأحاديث النبوية، وجاء القرآن بذكره في سورة الكوثر، ولكل نبي حوض، فعن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحاباً من أمته، فأرجو أن أكون يومئذٍ أكثرهم كلهم واردة، وإن كل رجل منهم يومئذٍ قائم على حوض ملآن معه عصا يدعو من عرف من أمته، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم"، رواه الطبراني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن، لهو أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، ولآنيته أكثر من عدد النجوم" رواه مسلم . وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة الظلماء، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ، آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة" رواه أحمد ومسلم والنسائي. وقال إمام وخطيب المسجد النبوي مذكراً بفضائل وصفات حوض النبي صلى الله عليه وسلم، مورداً الحديث الذي رواه زيد بن خالد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " هل تدرون ما الكوثر، هو نهر أعطانيه ربي في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول يارب إنه من أمتي فيقال : إنك لا تدري ما أحدث بعدك" رواه أحمد ومسلم وأبو داوود وبيّن الشيخ علي الحذيفي، أن الحوض أرض واسعة في أرض الموقف يملأها الله ماءاً من نهر الكوثر يصب في ها الحوض ميزابان من ذهب وفضة من نهر الكوثر، فلا ينقص هذا الحوض، ويشرب منه كل مؤمن ومؤمنة على شدة ظمأ عظيم، فلا يظمأ أحد بعد شربه أبداً. وقال فضيلته، أن الذين يردون على النبي صلى الله عليه وسلم الحوض هم المتبعون لسنته عليه الصلاة والسلام، المجانبون للكبائر من الذنوب، قال الله تعالى : " إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ". وأكد أن من موجبات ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى شريعة النبي صلى الله عليه وسلم واجتناب البدع والمحدثات في الدين والمنكرات في الشرع ويلتزمون الإخلاص المنافي للرياء والسمعة، وأنواع الشرك، كما بين فضيلته أن من أسباب الشرب من حوضه كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، مذكراً بعظمة فوز من تفضل الله عليه بورود حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، وعظيم خسارة من حرم من الشرب منه، وطرد عنه، ولا يظلم ربك أحداً.