حذر برنامج الأغذية العالمي من أن الحرب الدائرة في السودان منذ قرابة 11 شهراً "قد تخلف أكبر أزمة جوع في العالم" في بلد يشهد أساساً أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي. وقالت مديرة برنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين إن المعارك التي أوقعت آلاف القتلى وأدت الى نزوح ثمانية ملايين شخص، "تهدد حياة الملايين كما تهدد السلام والاستقرار في المنطقة بكاملها". وتابعت "قبل عشرين عاماً، شهد دارفور أكبر أزمة جوع في العالم ووحد العالم(آنذاك) جهوده لمواجهتها ولكن السودانيين منسيون اليوم". في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، أطلق الرئيس السوداني حينها عمر البشير الذي أطيح عام 2019، ميليشيا الجنجويد في إقليم دارفور المترامي الأطراف في غرب السودان حيث مارست سياسة الأرض المحروقة. واليوم باتت هذه الميليشيا ضمن قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو الذي يتواجه في حرب مع الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان منذ 15 أبريل 2023. وأصبح قصف المدنيين وتدمير البنى التحتية والنهب والاغتصاب والتهجير القسري وإحراق القرى من الممارسات اليومية التي يتكبدها 48 مليون سوداني. وأكدت ماكين أنه ما لم يتوقف العنف "قد تخلف الحرب في السودان أكبر أزمة جوع في العالم". ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإن أقل من "5 % من السودانيين يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم وجبة كاملة" في الوقت الراهن. وتقول منظمة أطباء بلا حدود أن طفلاً يموت كل ساعتين في مخيم زمزم للاجئين في دارفور. وفي جنوب السودان إلى حيث لجأ 600 إلف شخص هرباً من الحرب، "يعاني طفل من كل خمسة أطفال في مراكز الايواء عند الحدود من سوء التغذية"، بحسب ماكين. ويعاني 18 مليون سوداني من انعدام الأمن الغذائي الحاد وصار خمسة ملايين من منهم على شفا المجاعة في حين يعاني العاملون في مجال الاغاثة الانسانية الذين يساعدونهم، من صعوبات في التنقل ونقص كبير في التمويل. المساعدات الإنسانية. وتعيش قرى وبلدات ولاية الجزيرة وسط السودان حالة من الهلع والخوف منذ أن سيطرت قوات الدعم السريع عليها قبل ثلاثة أشهر، وخصوصاً بعد انقطاع الاتصالات عنها منذ شهر. في الخامس عشر من ابريل، عندما اندلعت الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، كانت ولاية الجزيرة الواقعة على الحدود الجنوبية للخرطوم، واحة سلام بعيدة عن المعارك الدائرة في العاصمة السودانية. غادرت آنذاك مئات العائلات الخرطوم إلى الجزيرة حيث تكدس النازحون في منازل ومدارس ومراكز إيواء أقيمت على عجل في هذه المنطقة الزراعية الشاسعة الواقعة بين فرعي النيل، الأزرق والأبيض. ولكن في منتصف كانون الأول/ديسمبر، اتسعت بقعة الحرب التي قادت السودان إلى شفير المجاعة وأوقعت آلاف القتلى وأرغمت ما يزيد عن ثمانية ملايين سوداني على النزوح من ديارهم، وامتد القتال إلى ود مدني، عاصمة الجزيرة. ومع اشتعال المعارك في ود مدني، اضطر نصف مليون سوداني للنزوح مجددا، بعضهم لثالث مرة. وفي السابع من شباط/فبراير، انقطعت خدمة الإنترنت والهاتف في الولاية. وروى أحد السكان في اتصال مع وكالة فرانس برس بواسطة هاتف نادر يعمل عبر الأقمار الصناعية، العنف المتواصل الذي يعيشه سكان الجزيرة. * عشرات القتلى وأعمال نهب من قرية برنكو الواقعة على الضفة الشرقية للنيل الازرق على بعد حوالي 55 كلم شمال ود مدني، قال الرجل طالباً عدم الإفصاح عن اسمه "يوم 22 شباط/فبراير أطلقت الميليشيا (قوات الدعم السريع) النار على عشرات من سكان القرية كانوا يحتجون على اعتقالها لابنائهم الذين كانوا يحرسون منازلهم ليلا من السرقات". وتابع "أصيب 18 شخصا بجروح متفاوتة بعضهم نقل الى مستشفى شندي الذي يبعد عنهم 250 كلم". في بلدة طابت على بعد 80 كلم شمال غرب ود مدني، قال السماني الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بالكامل لأسباب أمنية "بعد أن هدأت الاوضاع لاسابيع، عادت ميليشيا الدعم السريع قبل بضعة أيام لمهاجمة المنازل وترهيب النساء للحصول على ما لديهن من حلي ذهبية". وتابع السماني "لم يتركوا سيارة أو آلة زراعية إلا وأخذوها". واكد أن "عشرات الأسر نزحت من طابت وعشرة قرى مجاورة" موضحاً أن النزوح "بالغ الصعوبة لعدم وجود وسائل التنقل بعدما نهبت العربات ولعدم توافر السيولة بسبب توقف التطبيقات البنكية التي تعمل بالانترنت". أما سكان الجزء الجنوبي من الولاية المتاخم لولاية سنار فيشكون من تزايد عمليات اقتحام المنازل. وقال احد مواطني قرية ود نعمان "تزداد معاناتنا يوما بعد يوم فعندما يحاول المواطنون الدفاع عن منازلهم أمام عمليات النهب تأتي قوة اكبر وتطلق النار عشوائياً". في قرية أبو عدارة المجاورة لطابت، قتل خمسة مدنيين في 25 شباط/فبراير وفق ما أفادت لجان المقاومة، وهي مجموعات كانت تنظم التظاهرات والاحتجاجات ضد الحكم العسكري وباتت اليوم آخر شبكة أمان ل48 مليون سوداني في غياب البنية الأساسية وأجهزة الدولة. في ولاية الجزيرة كلها، أحصت لجان المقاومة 86 قتيلاً إضافة الى العديد من الجرحى خلال الاسبوع المنصرم في 53 قرية تعرضت لهجمات قوات الدعم السريع. * لا أدوية وتتم المعاملات المالية منذ اندلاع الحرب في السودان قبل عشرة أشهر من خلال التطبيقات الرقمية بعد أن أدى نهب الأموال السائلة الى إفلاس العائلات. ويتيح تبطيق البنك الرئيسي في السودان اجراء تحويلات وتسديد مدفوعات ودفع ثمن مشتريات في المحلات، لكن هذه المعاملات تتطلب توافر شبكة الإنترنت. كما ارتفعت الأسعار بشكل كبير وتباع صفيحة البنزين ب100 ألف جنيه اي ما يعادل 80 دولاراً، بعد ان أغلقت محطات الوقود إثر سيطرة قوات الدعم السريع على الولاية. تضاعف سعر كيلو اللحم من ستة آلاف جنيه سوداني في كانون الأول/ديسمبر الى 12 الف جنيه حالياً. وأكد جبريل إبراهيم وزير المالية السوداني للصحافيين هذا الأسبوع إن إيرادات الدولة تراجعت بنسبة 80 % محذراً بأن اقتصاد البلاد يعيش أوضاعا قاتمة وحالة استثنائية". ولكن أكبر مشكلة هي عدم توافر الأدوية. يقول محمد القاسم من سكان قرية تبعد 25 كلم غرب ود مدني "الأسوأ أنه لا توجد أدوية خاصة للمصابين بأمراض مزمنة مثل السكري وضغط الدم". ولاية الجزيرة وسط السودان مقطوعة عن العالم